بين فترة وأخرى نقرأ أخباراً تتحدث عن كتب تمّت مصادرتها من المكتبات المدرسية خوفاً من محتواها وحماية لأبناء التعليم العام من التأثر بمحتواها المخالف لنواميس الحياة والثقافية وتوجهات التربية، وتمادى البعض فنادى مؤسسات التعليم العالي بمنع هذه النوعية من الكتب وتجريد المكتبات الجامعية منها. موقف الفئتين يثير الدهشة؛ الأولى تظن المكتبات المدرسية حقلاً آهلاً بالمعرفة والعلوم يقوم على رعايته فريق من الواعين برسالتهم، وتنمو قدراتهم بشكل مستمر فيدركون كيف يجد التلاميذ وقتاً ممتعاً بين طيات الورق..والفئة الثانية ضيّقت رسالة القطاع الأكاديمي، وخافت عليه، وخلطت بين أهدافه ومستهدفيه، وهو يقوم على التعدد والانفتاح والتواصل مع كل الأطروحات والمعطيات وإخضاعها للدراسة والبحث والنقد وليس المنع والمصادرة بوازع أبوي قد يكون غير مناسب في بعض المواقع والظروف. عمليات المصادرة والحجب ليست جديدة لكن العناوين والمؤلفين الذين وقع عليهم الاختيار أخيراً يعمل كثير منهم على زرع الفتن وتضييق مسارات الجمال والتسامح، وقد تتحول صفحات كتبهم إلى «ثكنات حربية» تصارع القيم الدينية والحضارية وتشوه صورة الإسلام والمسلمين أحياناً. والسؤال الذي يتداعى الآن: كيف وصلت إلى المدارس، ومن شارك في الترويج لها؟؛ وهو سؤال شاسع القسمات والإجابة عليه تؤدي إلى مناطق لا يحبذ كثيرون الحديث عنها، أو تشخيصها والحد منها. قبل المصادرة والأمر بمنعها لم يعلم كثيرون من أبناء التعليم العام عنها فالمكتبات المدرسية مهملة وبعضها لم يعد له وجود، ومدارس أخرى تخلصت من محتواها واحتفت بمصطلح جديد «مصادر التعلم» ودورها ضعيف جداً، ومحتواها التقليدي والإلكتروني متواضع، و جلّ القائمين عليها من غير المختصين في علم المكتبات والمعلومات فباتت «تكيّة» لمن أراد الراحة والبعد عن إرهاق اليوم الدراسي، وفي نهاية المطاف أثر هذا المرفق التربوي نادر ولا خشية من وصول الإصدارات فيه إلى أيدي الطلاب أو وصولهم إليها، وليت الوزارة تراجع واقع هذه القطاعات، وتُخضع القائمين عليها للمراقبة وقياس الأداء، وتشرك جهات مختصة جيدة في المجال لإعادة تأهيلها مثل الأقسام العلمية في الجامعات ومعهد الإدارة، وبعد تطويرها وتفعيل رسالتها سيتوافد إليها أبناء المدارس وسنخاف عليهم من كل دخيل ومأزوم فلا يصل إليهم ولن تلاحقه «التعاميم». تبدو عملية مصادرة الكتب وتذكير الناس بها مثل عملية نزع سلاح صدئ من أيدي جثة هامدة تُستعاد معه الحكايات والذكريات وقليل من الجرأة على المحاسبة، وإعادة النظر إلى المتطلبات وظروف إنتاجها دون دفع أثمان مفاجئة أو مضاعفة. عندما كانت المكتبات العامة تحت مظلة وزارة «المعارف» عقدت الأخيرة ملتقى لأمنائها ومديري إدارات الثقافة والمكتبات ويومئذ ارتفعت أصوات غيورة لمشاركين تدعو إلى عدم وصول أصحاب المشكلات التربوية والإدارية إلى المكتبات العامة حتى لا يؤثر ذلك على أعمالها وحسن إدارتها، وبعد سنوات انتقلت المكتبات العامة إلى وزارة الثقافة والإعلام، ولعلها أورثت «مصادر التعلم» شيئاً من ملفاتها المترهلة أو موظفيها وقضاياهم!. مفهوم «مصادر التعلم» في المؤسسات التربوية يجب أن يُعاد النظر في معاييره وفق التوجهات المعتمدة في المجال و تتكامل محتوياته مع الاحتياجات التربوية للطلاب والمعلمين على حد سواء، وتسند إدارته إلى مختصين من خريجي المكتبات والمعلومات.. و المهم أن تصاحب تعاميم التخلص والمنع أخرى تزوّدها بالمصادر الجديدة التقليدية والإلكترونية، وتُخرج مسؤوليها عليها من أقبيتهم وعزلتهم وإلا فإن وضعها الراهن عبء على كاهل التربية، وهدر للأموال، وضياع لأوقات موظفين يمكن الاستفادة منهم في مواقع بديلة، وذلك خير من رفع شعارات ومسميات مفرّغة لا أثر لها.