ورعشةُ المرآةِ لامرأةٍ تزيّن صدرها بسحابةٍ عطشى، وأغصانٍ من الولعِ المعذَّب بالغناءِ، وللثوانيْ مثلُ رائحةِ الطفولة في الحقائبِ، رنّةُ الأجراسِ في عنق الحصانِ، وصوتُ وثْبَتهِ الأخيرةْ. للساعة الثكلى دبيبُ النّملِ في الخشبِ العتيقِ، وأنّةُ المنسيِّ قرب البابِ، خيطٌ من رمادٍ لامعٍ يغوي الغريب بليلةٍ عبثيّةٍ في البيت، كي يكسو مصابيحَ الحديقةِ بالغروبِ، وكي ينامَ على حشائشهِ الأليفةِ عارياً كبَكَارةِ الأشياءِ، حين تعودُ من تعب النهارِ وتحتسي قدحاً يؤانسُها، ويغْرُبُ عن ملابسها، الرحيلُ. الوقتُ مقبرةُ البكاءِ ، وحصّةُ العشّاقِ من لهَبِ العناقِ، و أولُ الأزهارِ في ضَحِك الربيع، وحبّةُ «ستاريل»* للقلب الطَّروبِ، و حاجةُ المرضى لأبرة « انسولين» كَسَرْتُهُ بيديّ، فانهمرتْ دِنان الساعةِ العجلى بحبّاتٍ تضيءُ دموعَهُ في آخر الممشى، وعادَ إليّ مختالاً يقولُ ولا يقولُ! عيناهُ قاتلتان، أوّلهُ غرامٌ فادحٌ كالبحرِ، آخرهُ التفاتٌ نحو ما لا تُمسكُ الذكرى بأضلعهِ، ولا يَروىْ غليلُ. وأنا الكثيرُ على ثياب الوقتِ، أوجاعي سحابٌ هاطلٌ في الرّيحِ، أحلامي غبارٌ ثامنٌ في قُبّة التكوينِ، أوهامي جرادٌ فرّ من صيادهِ المنفيِّ في الصحراءِ، لا تكسوهُ هذي الأرضُ من زيناتها شيئاً، ولم ينبتْ على عوراتهِ شجرٌ قليلُ. للوقتِ ذاكرةٌ تخونُ صفاتِها ، وتعودُ أرملةً إلى الميناءِ، تبحثُ في جروف البحر عن «عشبِ الخلودِ» وصوتِ «انكيدو» ودمعةِ ثوبهِ في جانب النهر البعيدِ، وللثواني رنّةُ الخلخال في ساقيّ ساقيةٍ توزِّعُ راحها في الحانِ، كاشفةً عن الأسرارِ و الأسفارِ في تكوينِ «جلجامشْ»** ليشربَ لذّة النسيان من يدها، وصاحِبهُ، قتيلُ! الوقتُ نافذةٌ على الأحزانِ، ثوبٌ من رماد العمرِ، وجهٌ من أساورَ عزفِ شاعرةٍ على ماءِ الكلامِ، ورقصةُ التانجو، وعودةُ بعض جُنْد الحربِ في التابوتِ، كان الوقتُ مبتسماً لأسرى في معاركَ لم يخوضوها، ومنتشياً بصوت القائد الحربيِّ في جيشٍ تخلّى عن بنادقهِ، وأنتَ تُطلّ مكسوراً على الشُبّاكِ، تقرأُ عن جنون الطيرِ، في ملهاة «سيرفانتسْ»*** وتقطفُ من طواحين الهواءِ بهاءَ أوهامِ الحقيقةِ في براءتها، فلم تُكْمِلْ بناءَ الجملةِ الأولى ولم تقْبِضْ على صوت الحكاية في تفاصيل البدايةِ والنهايةِ، أيها البطلُ العليلُ! *- نوع من أدوية ضبط ضغط الدم ** حَزِنَ جلجامش على موت صديقه الحميم أنكيدو، فذهب باحثاً عن «عشبة الخلود» *** مؤلف رواية طواحين الهواء الظهران 1-11-2015م - علي الدميني