وصلني قبل أيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي إعلان من مكتبة سدير الوثائقية رصد فيه صاحب المكتبة جوائز نقدية لمن يُؤلف أو يكتب عن منطقة سدير أو أي من مدنها، وشراء أي مخطوطة تتعلق بالمنطقة. هذا الإعلان جر قلمي الذي كان في مغالبة مع الزمن أخذ فيها التسويف مكانه - جره إلى الكتابة عن مكتبة سدير الوثائقية التي أنشأها في روضة سدير الوجيه - عبد الله بن محمد البابطين -، واجتهد في جمع كل ما أمكنه الحصول عليه مما ألَّف وكتب عن منطقة سدير ومدنها وقراها وهجرها قديما وحديثاً، كما ألحقها بمتحف تراثي يحوي الكثير من القطع الأثرية والتراثية المختلفة من عملات وعدد زراعية وصناعية وأدوات منزلية وأسلحة وغير ذلك حتى صارت مصدراً من مصادر تاريخ المنطقة وتراثها، وأضحت مفخرة يُفاخر بها أبناء المنطقة. ومع أنني لم أسعد بزيارة المكتبة والوقوف عليها عن كثب، إلا أنني عرفتها وعلمت عن محتوياتها من خلال ما سمعت وما قرأت فعزمت على الكتابة عنها مؤملاً أن أجد فرصة مناسبة لزيارتها. هذه المكتبة ليست في حقيقة الأمر مكتبة بمفهومها المحدود، ولكنها مشروع وطني كبير يسهم في التعريف بالمنطقة، وحفظ تراثها وحضارتها عبر السنين، ويربط الأجيال الحاضرة بماضيهم العريق، وهي مبادرة تدل على صدق الانتماء، والحرص على تاريخ المنطقة بخاصة وتاريخ المملكة بعامة، وحين اهتم - وفقه الله - بتاريخ المنطقة وتراثها نظر من زاوية واسعة ليس فيها للأنانية مكان، فلم يقتصر على بلدته (روضة سدير) وإنما امتد اهتمامه لكل مدن المنطقة وقراها وهجرها، وجعل لكل واحدة منها ركناً يحوي كل ما وقع تحت يده عنها، وتلك همة تدل على نبل مقصد، وسلامة هدف، ونظرة شمولية تهدف إلى جعل كل المعلومات المتعلقة بالمنطقة في متناول الباحثين والدارسين من خلال جمعها في مكان واحد، وهو عمل يركز على المنطقة بصفة خاصة، ويصب في خانة الاهتمام بتاريخ المملكة وحضارتها وتراثها بصفة عامة. إن هذا المشروع عمل يستحق الإشادة والتشجيع، ومسعى مبارك ينبغي أن يحتذيه القادرون في مناطق المملكة الأخرى حتى تكون معلوماتها متوافرة لمن يريدون الاطلاع عليها، وحكومتنا الرشيدة بقيادة رجل التاريخ المثقف خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله وأيده بنصره وتوفيقه - تساند كل عمل من هذه الشاكلة وتعين عليه وتباركه، وجزى الله الشيخ البابطين خير الجزاء عن المنطقة وأهلها كفاء هذا العمل المتميز الذي لم يبخل عليه بوقته وصحته وجاهه وماله حتى جمع كل ما جمع، وهو أمر لا يخفى على أحد ما فيه من معاناة ومشقة وبذل، فأكثر الله من أمثاله، وأعانه على الاستمرار في النهوض بهذه المهمة الجليلة حتى يتمكن من تطوير المكتبة وجعلها معلْماً ثقافياً بارزاً يميز المنطقة، ويجذب الباحثين من كل مكان، ومنارة إشعاع ينطلق نورها إلى جميع أرجاء مملكتنا الحبيبة وإلى خارجها، وأتمنى أن يكون لدارة الملك عبد العزيز بحكم اهتمامها ومسؤوليتها عن تاريخ المملكة وتراثها وحضارتها إسهام في إمداد المكتبة بكل ما كتب عن منطقة سدير من كتب ومطبوعات ومخطوطات وأفلام وثائقية وغير ذلك مما هو موجود في الدارة، ولا أخالها تقصر في ذلك، كما أتمنى أن يكون لهيئة السياحة والتراث الوطني بقيادة أميرها الهمام تواصل ودعم ينفع المكتبة مما يدخل في اختصاص الهيئة. وفي الختام أُحيي الشيخ عبد الله بن محمد البابطين على هذا المنجز راجياً أن يستمر حماسه، وألا يكل جهده في دعم مشروعه الوطني العملاق ومتابعة تطويره، وتجهيزه بكل وسائل التقنية الحديثة ليتمكّن الباحثون من الاستفادة التامة من كل ما فيه، كما أزجي تحية أخرى موشحة بالتقدير لكل من خدم وطنه في أي مجال.