الموت هو نهايتنا.. الموت هو اليوم المحتوم الذي ينتظرنا هو الذي ينقلنا من الدار الدنيا إلى الدار الآخرة.. يؤلم النفس البشرية ولكن إذا آلمنا استرجعنا وقلنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} فخفت مصيبتنا، فالله هو الذي خلقنا وحدد آجالنا.. وقال {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، يبشر الله الصابرين الذين يسترجعون عند نزول المصائب، ويتذكرون أجر المصيبة ويسلمون أمرهم وأنفسهم إلى الرحمن الرحيم، هو أرحم فينا من أمهاتنا، هو رحمن رحيم من أسمائنا يرحمنا، ويعلم بالذي يكدرنا ويحزننا، ولكن هي آجال وأيام لابد أن تنقضي، هي رحلة لابد أن تنتهي، هي حياة حافلة بالمشقات والمتاعب، ولابد لنا أن ننتقل منها إلى الدار الآخرة.. دار لا تعب فيها، بعد رحمة الله، أما هذه الحياة، فهي مليئة بالأكدار، مليئة بالمنغصات، ان أسرت يوماً أحزنت أياماً.. إن أضحكت يوماً أبكت أياماً.. ودعت وكالة أمانة منطقة الرياض لشؤون بلدات المنطقة موظفاً خلوقاً شاباً هادئ الطباع زاملته بالشؤون المالية هو زميلنا وليد العويد أحد زملائي في إدارة الشؤون المالية، كان شاباً هادئ الطباع، دائماً بشوش، شاهدته مراراً عندما يأتي المراجع يدفعه استشعار المسؤولية الوظيفية ويدفعه الإخلاص إلى البحث عن معاملته وأوراقه، وعندما يجدها يبلغه ويوجه إلى زميل آخر، لقد كانت تلك صفة طيبة.. يا وليد.. كيف لا وهي قد اختفت في الكثير من الموظفين في هذا الزمن.. شاهدتها خصلة طيبة فيك.. وشاهدتها تتجلى إذا حضر المراجع وكان موضوعه لديك يا وليد.. هكذا كنت يا وليد.. وهكذا هي الأيام يا وليد.. وهكذا الدنيا نزول وارتحال.. أفراح وأتراح.. ضحكات وبكاء.. آمال وآلام.. هناك فيها من يترقب قدوم الغائب، لكي يضيف إلى سجل حياته أيام سعادة وهاء لأن هذا الغائب الذي سيقدم وجوده بالحياة يعطيه أمان بعد الله واستقرار.. وهناك بالمقابل من يودع شخصاً عزيزاً وداعاً لا عودة فيه.. وداعا أليماً.. وداعاً يدمي القلوب، ويبكي العيون، ويحزن الأفئدة.. ولكن إذا تذكرنا أجر مصيبة الموت والصبر عليها صبرنا واحتسبنا.. استرجعنا وتأملنا.. هي مصيبة تبكي العيون، وتغير الملامح، وتضفي الحزن لحظة وقوعها.. ولكن ما أن تلبث تبدأ بالزوال شيئاً وشيئاً.. وهذا من رحمة الله بهذا الإنسان، لأن وقع هذه المصيبة قوي وآثارها تبقي والمكان من بعد هذا الذي ودعنا يبقى يذكرنا فيه مما يزيد بعثرة المشاعر، هي الحياة، فيها كل المتناقضات، فيها المتضادات.. فيها المفاجآت.. فيها المسرات، فيها الغائبات المفرقات، فيها الأيام حبلى ولكن.. لا نعلم عن غيبها.. هي حكمة الله بالغة.. وهي سننه لا تتغير بهذا الكون، لهذا الإنسان بداية وله نهاية.. وما بين البداية والنهاية يتخلل رحلة عمرية تطول وتقصر.. تملأها آمال كبيرة.. وتشوبها آلام مزعجة.. رحلة عمر نسير من خلالها، نبحر على زورق الأيام وسط تلك البحار المتلاطمة الأمواج.. ما بين مد وجزر.. مرة تقذفنا الأمواج إلى الشاطئ وننجو.. ومرة نغوص إلى أعماق هذه البحار وقد لا ننجو إلا إذا كان مجدافنا ذكر الله فنحن نجّينا ووصلنا إلى الشاطئ في أمان.. ارجو من الله أن يكون ذكر الله هو الذي ينجيك يا وليد.. ابتسامتك أليس رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول (ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) تعاملك.. أليس ديننا الذي نحيا ونموت عليه يرشدنا إلى أن (الدن المعاملة). إخلاصك في وظيفتك فالإخلاص درجة من وصل إليها نرجو أن يكون من الصادقين.. فإذاً أرجو أن ترافقك هذه الأعمال الصالحة إلى قبرك.. حتى تثقل ميزانك.. لقد كان رحيلك وأنت في ريعان شبابك مؤلم.. ولكن هي الأقدار المحتومة عند العزيز الجبار.. لقد كان وداعك مفاجئ.. صدق القائل في كتابه {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}. نقل لي الزميل مهدي اليامي خبر وفاتك وأنا في إجازة.. لقد شعر الجميع بفرقى وداعك بعد أن أصبح المكان خالياً منك.. وحتى أصبحت الإدارة تنعاك.. وتشعر بغيابك وفراقك لقد كان شعور الجميع واحد هو الحزن عليك. دعوت الله واسترحمته عليك.. وبدر إلى ذهني مباشرة تلك الخصلة الطيبة فيك.. ودعيت لك بالرحمة في صلاتي.. أحسن الله عزاء والدك الذي هو أكثر الناس تأثراً فيك.. ووالدتك التي أنت فلذة كبدها.. فحال الأم عندما تفقد ابناً من أبنائها يخيم عليها الحزن.. ويغير ملامحها.. ويرافقها ولو غيرها نسى.. لأن الابن لهذه الأم المسكينة هو بمثابة الروح.. هو فلذة كبدها.. عندما تشاهده تطمئن نفسها.. وعندما يغيب عنها تشتاق إليه عيونها.. فكيف بغيابك يا وليد.. ودعتك وأنت تواري الثرى.. ودعتك ووداعك يبكيها.. ودعتك وهي تردد مراثيها.. ودعتك وبقيت تسهر لياليها.. ودعتك والذاكرة تنقلها إلى ماضيها.. تمسي على ذكرى أيام غاب فيها غاليها.. ودعتك وهي ترفع أياديها.. في ظلمة الليل لباريها.. يا رب ارحم ابناً كان باراً فيها.. يا رب انزله منازل عبيدك التي ترضى عليها.. رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.. استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. مناور صالح الجهني - وكالة أمانة منطقة الرياض لشؤون بلديات المنطقة