مهام الوظيفة المتضادة مع الدراسة، وضغوط المسؤوليات الاجتماعية، ومتطلبات التأهيل الوظيفي، وشيء من الإحباط، والظروف الصحية لوالدي، والمعاناة من جسيم الأخطاء الطبية، والعلاج بالخارج لتصحيحها، ثم وفاة والدي رحمه الله. طال بي الدرب والحمد لله وصلت محطة الفرح ولا يزال الطريق أمامي طويلاً نحو سماء النجاح... ولكنه شائق مع أنه شاق. من بذرة الكفاح القديم زرعت فيَّ الطموح.. ذات يوم سألت أبي - رحمه الله- على ضفاف النيل الأزرق مع نسماته اللطيفة الباردة: لماذا التحقتَ بالدراسة في الجامعة انتساباً؟ كان أبي حينها في مرحلة الاختبارات في القاهرة، وكنتُ مرافقاً له وعمري 16 ربيعاً، رغم أن هذه الدراسة لا يترتب عليها ترقية وظيفية، ولا زيادة في الراتب! أجابني: إذا لم يتضح مربح مادي جلي؛ فإنه لا خسارة منها، والعلم كله خير إن شاء الله. ثم بدأ مشروع طلب العلم الدخولَ إلى حيز الوجود من مهبط سلبي.. كنت أقف في طابور مزدحم متقاطع مزعج، وصلت إلى الموظف.. طلبت منه استمارة التحاق بالجامعة، فقال لي: كم معدلك؟ أجبته: 80 % علمي، ففاجأني بقوله: الاستمارة للمعدلات العالية، وأنت لست من أهلها! كررت الطلب عليه، وأشاح بوجهه عني، غضبت وخرجت وأخبرت والدي - رحمه الله- بما حصل، فأجابني: لا تحزن.. سيجعل الله بعد عسر يسراً. التحقت بدراسة الدبلوم، ثم توظّفت وقدّمت على جامعة أخرى عن طريق الانتساب، أثناء الدراسة لي أذنان، الأولى: الدعاء، التحفيز الإيجابي، الثناء. أما الأخرى: فهي التحطيم، السلبية، التهكم. أذكر من العبارات التي كادت تكسّر مجاديفي: لن تنال من شهادتك إذا حصلت عليها إلا الهم والتعب دون جدوى! في إطار الوظيفة لم ألقِ لهم بالاً، بل هم المحفز الخفي الأكثر تأثيراً، وذلك بالهرب من وحش السلبية إلى نور الإنجاز. هطل علي من غيمة الأحلام قطرُ الإنجاز البكر رسمياً بشهادة البكالوريوس مع التحاقي بقطار العلم مؤخراً.. تخرجت في الجامعة بمعدل عالٍ ولله الحمد.. وأنا حالياً في طور إجراءات القبول لمرحلة الماجستير في نفس الجامعة التي رفض الموظف البسيط إعطائي ورقة الالتحاق بها، وكان يضرب بيد النظام الحديدة.. في النهاية، شكراً له، فقد حققت أكثر مما كنت أظن بفضل الله في تأهلي العملي وطموحي الدراسي. وأكثر ما حققته أن الإيجابية والسلبية إنما ينبعان من داخل الذات، وكما قيل: إذا أردت أن تنجح في حياتك؛ فاجعل المثابرة صديقك الحميم والتجربة مستشارك الحكيم والرجاء عبقريتك الحارسة، وعند الصباحِ يحمد القوم السرى. - محمد بن إبراهيم بن زعير