جدّد وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي في تصريحاته التي أعلنها مؤخراً تكهنات البعض ممن رأى إمكانية توحيد أسعار المشتقات النفطية بين دول مجلس التعاون، فيما رآه البعض أنه تبعد قرب تطبيقها أو حتى استحالتها. وكان المهندس النعيمي قد قال في تلك التصريحات عملية توحيد الأسعار خليجياً ما زالت تحت النظر والدراسة، إلا أنها دخلت حيزاً جديداً من التوافق ، متمنيّاً في الوقت نفسه أن يَتمَّ الانتهاء منها قريباً. وحالة الترقب لهذا الأمر سببها اختلاف السياسات التي تتبعها كل دولة خليجية سواءً من حيث قدراتها الإنتاجية وارتباط هذه القدرات على صادرات هذه المشتقات وأيضاً على السياسات الداخلية والرسوم المطبقة. حول هذا الموضوع تحدث ل «الجزيرة» الأمين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات «جيبكا» الدكتور عبد الوهاب السعدون أن توحيد أسعار المشتقات النفطية في دول مجلس التعاون موضوع قتل بحثاً من قبل الوزارات والهيئات الإقليمية المعنية ولم تسفر الاجتماعات والتوصيات عن آلية واضحة وملزمة للتطبيق، ولا أعتقد أننا سنراه واقعا في المستقبل القريب على الأقل. ويرى الدكتور السعدون إلى أن أسعار منتجات الطاقة المتدنية في المملكة أسهمت بصورة مباشرة في أمرين أولهما الإفراط في الاستهلاك المحلي، حيث كان إجمالي الاستهلاك في المملكة عام 2014 نحو 3.2 مليون برميل وعند أخذ عدد السكان بنظر الاعتبار يصبح نصيب الفرد من استهلاك الوقود 37.8 برميل سنوياً وهو من أعلى المعدلات عالميا، إِذْ يزيد على 3.5 ضعف نصيب الفرد في ألمانيا البالغ 10.7 برميل سنوياً وأكثر من 4.6 ضعف نصيب الفرد من استهلاك الوقود في روسيا الاتحادية (وهي دولة نفطية) الذي بلغ 8.1 برميل سنوياً. ومع أن النمو في استهلاك المشتقات النفطية يرتبط بمعدلات النمو الاقتصادية والسكاني في المملكة، إلا أن الأسعار المتدنية تحفز الطلب الكبير عليها وتضعف الوازع لدى المستهلك لترشيد الاستهلاك. كما أن النمو الكبير في الطلب المحلي على المشتقات النفطية يعد مؤشرا إلى انعدام الكفاءة، ففيما تسير دول العالم باتجاه أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة من الناحية الاقتصادية نتحرك نحن في الاتجاه المعاكس. أما الأمر الثاني فهو الفجوة الكبيرة في الأسعار بين المملكة ودول الخليج التي نتج عنها نشاط عمليات التهريب باتجاه دول الخليج حيث فارق السعر يحقق عوائد مجزية للمهربين. ولعل قيام عدد من دول الخليج بتحرير أسعار الوقود في ظل ثبات الأسعار في المملكة يوفر حافزا لضعاف النفوس للاستمرار في هذه السلوكيات غير الوطنية. ويختتم الأمين العام ل«جيبكا» حديثه بالقول: إصلاح الأسعار أصبح ضرورة ملحة في ظل تراجع عائدات الدولة النفطية والتي يذهب جزء كبير منها لتمويل دعم المشتقات النفطية التي تباع بأسعار قريبة أو تقل عن تكاليف الإنتاج المتزايدة. ومن الممكن أن يستخدم الدعم بدلا من ذلك لتوليد منفعة اجتماعية أكبر. ومن شأن إصلاح أسعار الطاقة أن يحقق إيرادات إضافية للدولة وفي ذات الوقت يحفز المستهلكين على تبني سلوكيات وحلول تقنية تزيد الحفاظ على الموارد وتقلل الانبعاثات الكربونية المضرة بالبيئة، وهذا بدوره سيقلل الإنفاق الحكومي ويحقق عائدات تصدير أعلى تحفظ مكانة المملكة الجيوسياسية.