في ليلة مظلمة جوها مُغْبر ملأى بالكلل والحزن والملل وأنا انعزل وحيداً بغرفتي مؤكءٌ رأسي على ركبتيَّ ومؤصدٌ الأبواب علي.. إلى أن جاءت لحظة تبدل الحال فيها وفُتح البابُ المقفل فملئت الغرفة ضياءً ونورا.. جاءني فتى بين وجنتيه يرتكز النور، كأني اعرفه ولا اعرفه.. ثم قال لي: لنجوب أنحاء هذه المعمورة! فنطقت شفتاي لا إرادياً وقبلت ولم افكر، أصلًا لم اجد سبباً للرفض.. ركبنا سيارةً أو عربةً لا اعرف ماهي بالضبط، وكأننا قد ركبنا الهواء المحض.. سرنا لدقائق معدودة في مدينتي التي كانت مزدحمة ثم توقفنا عند جنةٍ جوها بديع، في ليلة دافئة, ذات نسيم بارد عليل، الزرع أخضر، والورد أحمر وحوالينا الريحان الأغر، والهواء لا تشوبه شائبة! لا شيء الآن من المعطيات يشابه السابق.. هل الدنيا تغيرت أم غُيرت وأنا معه؟.. ظللت افكر ونحن سويةً نسير بين تلك الجنات نستنشق عبق الريحان والقَرنفل.. وبراثن يدي عالقةُ في يده لا تريد الرجوع إلي.. سألته: منذ متى وأنت على الأرض؟ فقال لي والابتسامة شقت ثغره: اليوم ولدت.. وأكبرك بشهر.. وبيني وبينك معرفة! فخرجت عيناي من موقعهما من أثر إجابته الغامضة وقلت ماذا؟.. حتى عاد بي الحال إلى الواقع من ذلك الحلم، ثم ضربت بيدي على فخذي وقلت: ويحي.. أبيني وبينه معرفة ولا أدري عنه؟.. ثم تبسمت وأشعلت أنوار الغرفة وعادت ابتسامتي إلى محياها.. ورضيت بواقعي لأجعله مثل ذلك الحلم، وقلت في نفسي.. لا شيء يستحق حزني وكدري ولا يملأني سعادة وغبطة.. ولو لم يُجد ذاك الصديق إلا في الأحلام!