إشارة إلى ما تناوله الدكتور عبد العزيز العمر في مقالته المنشورة في العدد رقم (15746) الصادر في يوم الأحد الموافق 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015م, تحت عنوان «لنبحث عن أينشتاين سعودي..!!».. تحدث الخبير التربوي في سياق مقالته عن نظام تعليمنا الحالي و عدم قدرته بوضعه الراهن في إنجاب علماء مبدعين في مجال العلوم والرياضيات والتي أطلق عليها لقب (عصب التنمية).. مطالبا إحداث تغيير تعليمي جذري لا يبقى إلا على الثوابت والمعايير الاجتماعية الأصيلة..الخ. وتعليقا على هذا الموضوع الحيوي أقول ومن نافلة القول: التعليم هو ذراع التنمية.. وقاطرة التحول في المجتمعات البشرية التي تنشد التقدم الحضاري والتطور النهضوي.. وهناك العديد من التجارب العالمية الرصينة لبعض المجتمعات المتحضرة.. التي كان (التعليم) فيها أحد أهم دعائم تقدمها التنموي وتحولها النوعي, فالتعليم بمكونات مؤسساته واتجاهاته البنائية.. يرتبط ارتباطا مباشرا بمستقبل المجتمع ونهوضه, ليس فقط لأنه عملية معرفية يتلقي من خلالها الطالب معارف منظمة ومهارات وتقنيات مطلوبة, ولكن أيضا لدوره المتزايد في إعداد أجيال قادرة على المشاركة بفاعلية في البناء الاجتماعي, والتخطيط للمستقبل بشكل واع, والقدرة على التسلح بقيم الإرادة والإدارة التي تنهض بالمجتمع وتقوده -ميكانيكيا- للتطور المنشود والتقدم المعهود.. ومن هذه التجارب الرصينة التي تستحق الإشادة، تجربة (المجتمع الفنلندي), فقبل ما ينيف عن أربعة عقود زمنية كانت جمهورية فنلندا تعد من أفقر البلدان الأوروبية بعد أن خرجت من ويلات وآهات ومآسي الحرب العالمية الثانية ودمارها.. غير قادرة على الوقوف على قدميها (اقتصادياً) في الوقت الذي كانت تتلقى فيه المساعدات والإغاثة من دول الجوار في حقبة كانت تسمى حقبة «الوهن الاقتصادي» الذي اجتاح بعض الدول الأوروبية, ولم تسلم من غول المجاعة ومرارة الفقر.!! وأمام هذه الأزمة الاقتصادية الحالكة وإرهاصاتها.. لم تجد هذه الدولة الأسكندنافية الباردة (فنلندا) حلاً إستراتيجياً وخياراً ناجعاً للنهوض بالمجتمع وعلاج مفاصله من الأوجاع المعيشية والمثالب الاقتصادية.. إلا بالاعتماد على قاطرة التقدم وحصان التطور, وذراع التنمية (التعليم), لصناعة عقول مبدعة وأدمغة منتجة،، فكانت نقطة الانطلاقة النهضوية المتوثبة من بوابة التعليم..ثم التعليم.. ثم التعليم كما قالت وزيرة التعليم الفنلندية المستنيرة (تولا هاتانين): عندما تبنت فنلندا فلسفة تعليمية فريدة.. اتجهت بوصلتها إلى ما يسمى ب(نظام التعليم الحواري).. وهذا الاتجاه التربوي التعليمي الحضاري الذي صاغ نظريته رائد الفكر التربوي البرازيلي باولو فريري (1921-1997).. طبق بمنهجيته العصرية ومنطلقاته التربوية في المجتمع الفنلندي, وهو نظام يتناول فيه المعلم والمتعلم أدوارهما الإيجابية داخل النسيج المدرسي في إطار عملية التفاعل الاجتماعي، وترسيخ أسس التربية الحوارية, وهذا النظاملعصري.. لاشك أنه يساهم في تنمية روح الاستقلالية لدى الطالب, ويشجع على بناء حب التساؤل وممارسة التفكير النقدي والإبداعي, واكتساب الكثير من المهارات العقلية وتوسيع آفاقها, وتعميق الوعي التربوي, والقدرة على حل المشكلات, والتخلص من الجمود العقلي, وهذا ما أثبتته الأبحاث التربوية والدراسات العلمية المتخصصة, بعكس النظام (التعليمي التلقيني).. أو ما أسماه العالم التربوي فريري (التعليم البنكي) الذي اشتهرت به دول العالم العربي وهو نظام تقليدي لا يمكن أن يصنع عقولاً مبدعة, واكتشاف القدرات الكامنة للمتعلمين, حيث يقوم المعلم بإيداع المعلومات التي تحتويها المقررات (سابقة التجهيز)..! في أدمغة المتلقين والذي يقتصر دورهم على التلقي السلبي, أو الحفظ الببغائي.. لتلك الإيداعات, وبالتالي فإن عملية التعليم التلقيني أو البنكي (المصرفي) تساهم في صناعة قوالب مكررة من البشر مصابة بالجمود العقلي والهشاشة الفكرية..!! لا تسعى للتغيير ومقاومة اتجاهاته البنائية, وهنا تتضح أكبر معوقات تطوير العملية التعليمية التربوية وضعف مخرجاتها في مجتمعنا الفتي.. المتمثلة في نوعية النظام التعليمي التقليدي وإرثه المتراكم. إلى جانب ضعف مكونات البيئة المادية المدرسية خاصة فيما يتعلق بتوفير المعامل الجاهزة والمختبرات العلمية في العلوم الفيزيائية والكيميائية والإحياء في المدارس, فوجود مثل هذه المختبرات المعملية الملائمة, وتوّفر المعلمين الأكفاء, والاهتمام بالعلوم الطبيعية والرياضيات كما أشار الدكتور عبد العزيز العمر في مضمون مقالته الرصينة,.. لاشك ستختصر زمن ومسافة بناء العقول المستنيرة، واكتشاف قدراتها الابتكارية, وتنمية طاقتها الإبداعية.. ساعتها سنرى- بإذن الله- نماذج من العباقرة والمبدعين من الطلاب السعوديين في المجالات العلمية والمعرفية.. يدخلون بوابة الإبداع والمجد والاختراع.. كما دخلها، الظاهرة الفيزيائية (اينشتاين), وعبقري زمانه (توماس إديسون), وزعيم المخترعين الانجليزي (نيوتن).. وغيرهم من أساطير العلم والمعرفة..! وقفه: يقول المناضل السياسي الراحل نيلسون مانديلا: التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم. خالد محمد الدوس - باحث أكاديمي - متخصص في القضايا الاجتماعية