لابدّ أنه من حُسن الأقدار وأخيرها لنا، وكذلك من يُمن الطالع بالنسبة لهذه الحقبة من الزمن من تاريخ المملكة العربية السعودية، ولعله أيضاً من تاريخ المنطقة العربية، أن يجود علينا الله تعالى فيتسنّم جزءاً كبيراً مهماً من مقاليد الأمور والسلطة الأميران «المُحمّدان»، سمو الأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية، وسمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع، في وقت يعصف بالمنطقة العربية مضطرب من أمرها وفي جلل كبير من حاضرها ومستقبلها، ويُنذر بمصائر ونهايات خطيرة بالنسبة للعالم العربي أقطاراً ومجتمعات، إنْ لم يقيّض الله تعالى رجالاً مخلصين، في العهد ماضين، أقوياء العزيمة أشدّاء على الأعداء المتربصين في كل حين بهذه الأمة عامة والمملكة السعيدة بخاصة، يمتلكون الشجاعة السياسية اللازمة مثلما يمتلكون الإرادة والتصميم، فضلاً عن الاستنارة والحكمة والرشادة في قراءة المستقبل وتجاوز أزمات الحاضر. وكأنّ المحمّدين هما الاستجابة الطبيعية لهذه الأقدار، في هذا الوقت من تاريخ المملكة والمنطقة عموماً، وليس هذا ببعيد أو بغريب، فالأميران الشابان اللذان يتبوءان مواقعهما السيادية في المسؤولية التاريخية في القرار السعودي، يؤكدان أنهما على قدر الثقة المطمئنة التي عهدها لكليهما الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث ائتمن عقلهما وبصيرتهما وفؤادهما ورشادتهما، ليقودا معاً متناغمين متكافلين، تحت ظل حكمه الرشيد مسيرة مملكة الزمن الصعب إنْ لم يكن الأصعب، إذا ما أضيف إلى السنوات الصعاب العجاف الماضية منذ مبتدأ تأسيس المملكة الناهضة على يد الملك عبد العزيز، الملك المؤسِّس. نعم، لقد جاء الأميران في مُقترب من حافة الأخطار التي تحيط بالمملكة والإقليم العربي المجروح في أغلبه، أو في جزء عزيز من جغرافياه التي يريد الأعداء العبث فيها وبشعوبها، يُخرج غرائزها المذهبية والطائفية من عقالها لكي يفسد عافيتها الدينية السمحة، واستقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويقسّم ويفرّق مجتمعاتها ويضعها فيقلب الاحتراب والنزاعات الأهلية والقبلية، ليصنع فيها أرضاً خصبة للإرهاب والغلواء من الفكر المذهبي المتطرف. كان الأمير محمد بن نايف مبتدءاً ومُفتتحاً كأول حفيد من أحفاد الملك المؤسِّس يتبوأ موقع ولاية العهد، بُشرى جيل جديد متطلع إلى المستقبل الواعد، يتسلسل عهده في تاريخ العائلة والشعب والمملكة السعيدة. جاء في وقت منعطف خطير وهو يُظهر إرادة لا تسويف فيها في محاربة الإرهاب في المملكة، والتصميم على القضاء على جذوره ومنابته وشروره. فهو اليوم فضلاً عن ولايته للعهد ومسؤولياتها الكبيرة ووقوفه خلف إرادة وسياسة الملك سلمان بن عبد العزيز، يتولى مسؤوليات وزارة الداخلية، المنوط بأجهزتها وقادتها ومؤسساتها حفظ الأمن والاستقرار في المملكة. وهو يعي ويُدرك حجم ما يُحاك من مؤامرات ومحاولات لزعزعة أمن الوطن والمواطن، سواء من عدوٍ قريب مباشر أو عدوٍ بعيد تأتمر به جماعات بالوكالة والنيابة، أو من جماعات إرهابية ترعاها جهاتٌ وترسم لها أهدافها. من جهته، الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي ولي العهد، يتبوأ بدوره جهازاً عسكرياً وطنياً، ممثلاً بوزارة الدفاع. فكان «المحمّدان» هما اليوم تحت رعاية الملك سلمان المحيطان بأمانة الدولة والوطن والشعب، رسالة أمن الداخل ورسالة أمن الخارج، وقد أرادت لهذا الأمر حركات وجهات ودول أن تعبث به على أمل أن تخترق المنطقة بأكملها فتعبث بها وتهدد استقرارها. كان الأمير محمد بن سلمان من موقعه وزيراً للدفاع على موقف إرادة واضحة فيما يخص الحوثيين المنقلبين على الشرعية والمتحالفين مع المخلوع علي عبد الله صالح. لن يُقدّر لهؤلاء أن يتسيّدوا اليمن الشقيق، ويجعلوه منطلقاً لطموحات إيران «القومية»، إذ هي طموحات لم تتوقف، ولن تتوقف إلا عند إجهاض كل مشروعها «القومي - الفارسي» في المنطقة، وهي تستخدم مكوناً طائفياً بعينه وتجره إلى سياساتها وأهدافها، فيصبح هو الجلاد والضحية معاً، الجلاد على شعبه الذي تضرر بأفعاله ومحاولته السيطرة على الدولة، وضحية بقبوله أن يكون أداة لإيران «القومية» في أطماعها غير الخافية. لقد قيّض الله الأميرين «المحمّدين»، في مرحلة حساسة وخطيرة، فكانا استجابة حقيقية لهذا الظرف وهذه المرحلة، وهما معاً يُظهران روحاً قيادية كبيرة، وإرادة متناغمة من أجل خير المملكة وشعبها، لتبقى سعيدة وآمنة ومزدهرة بإذن الله. - الدكتور/ خالد بن ضيف الله مظهور الشراري