لست أدري من تكون.. فهي ليست سوى امرأة صرخات لا يتوقف دويها في أذني. اللهاث خلف اللقمة لم يدع لي من الوقت ما يكفي لأتساءل عمن تكون، ولم تصرخ؟؟. قد أعلنت عن وجودها، أما أنا فما زلت حريصا على وأد صرختي بين ثيابي المهترئة. ربما أحببت ما تفعل.. فهي تنتحب بصوتها عني.. أمام عربتي الخشبية بددت حصتي من الزعيق فوق بضاعتي الرخيصة الثمن. العيد قادم والناس يتسوقون على عجل. نسيتها حقا لبعض الوقت.. فالأيام بتعاقبها كانت تنسخ نفسها حد الاهتراء. سرت في الحي إشاعات عن اختفائها.. تهامسوا حول عصابة مسلحة قد اقتادتها ليلا، هناك من قال إن الفاتحة تقام على روحها، آخر أكد لي أن زوجها وأهلها قد دفنوا الجثمان بلا رأس.. على قارعة الطريق أقام أصغر أولادها كأنه قد ابتلع عشبة جلجامش عوضا عن الثعبان، وبدا متوحشا كأنكيدو ملتحما ببرية أجهلها. تشظت صرخاته جافة دون دمع وبلا تمهل..، تودعني حين أهرب منه صباحا وتستقبلني عند الغروب.. أليس هنالك من يصلح للأمر غيري؟؟. تمعنت في وجهه يوما ورأيت الرحيل في عينيه يسرق نبضي من بين أضلعي. ليس اغبي من الشك في أنه ابنها لا محالة، وأن صرخاتها إرثه الوحيد من جسد دفن دون رأسها. متاهة حياة هي ذات الزهرات في الربيع المنصرم.. لم يزدد عددها. احتفظت بالاصيص ولم احتفظ حتى بملامحه التي سورها الضباب. بطني ثقلت بحملها..!!. بين الدروب القصيرة النفس قادتني سيارته، وفي مكان شديد الظلام اقتنص قبلة ساخنة وسريعة. إنها المرة الرابعة التي يسجن فيها. - أي نوع من هذه الأشياء قد وضعتك على كرسيها الكهربائي قبل أن تتذكرني بزيارة؟!. حلقت عيناه في متاهة..السجون تتوالى كسلسلة لا انقطاع لها. - هل تعرفين أني أصبحت لا أذكر عدد السجون ولا كيف دخلتها ولا حتى لم كنت أسجن؟ قبل يدي وذرف دمعة قبل أن يلفني الظلام. - تمنيت لو كان ولدي يا حبيبة. أغلق نافذة سيارته، وأغلقت باب بيتي وارتعد الجنين بشدة.