سبحان من قهر العباد بالموت، حتى على ملكه كآخر من يموت، سمى الله الموت في كتابه «مصيبة» وحقيقة هذه التسمية تشعر بها عند فقد الأحبة، فكيف إذا كانت المفقودة (والدة)!! تدرك مع هذا الفقد كيف هي مكانتها في قلبك، خيمة تستظل بها ونعمة تنعم معها، وكيف هو حضورها في حياتك اليومية وكيف كانت بركة دعائها لك في أمور دينك ودنياك، ومدى تأثيرها للأحسن بمنعطفاتك الخطرة في دروب الحياة بعد رحمة الله لك. هي محطة لآلامك ومستقر لأوجاعك ومستودع لأسرارك. تسهر (هي) لتنام أنت وتجوع لتأكل وتظمأ لتروى وتتعب لترتاح وتشقى لتسعد وتحرم نفسها لتنال أنت -فلذة كبدها- مبتغاك!! أي رحمة بين جنبيها وأي مشاعر حوتها!!!! لذا لن تبلغ بر (الوالد) إلا بما أخبر عنه -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم: أن تجده عبداً فتشتريه فتعتقه. إن والدتي والتي فجعنا بخبر وفاتها فجر يوم الخميس 1436/11/26ه ،كانت ذات عقل راجح في المواقف الصعبة، وكلام موزون عند الأزمات، وعجب من أمرها في الصبر على البلاء «أمراض متعددة في جسد واحد» كانت وصولة للرحم محبة للخير.. بارة بوالديها محسنة لغيرها.. يدها ندية بالعطاء.. متفائلة في أحلك الظروف.. ففقدها فراغ لا يملأ وثلمة لا تسد.. الله أكبر ما أشد ألم فراق الوالدة.. مؤلم حقيقة.. والعزاء لمن فقدها حديث: (الموت راحة المؤمن) والأمل بالله الكريم الرحيم ليس له حد في حياتنا، أن اللقاء معها في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ووالدينا ولمن له حق علينا. كانت أمية قارئة: أمية لا تقرأ ولا تكتب، ولكنها فاقت الكثيرين ممن يقرؤون بحكمتها وعقلها وموازنتها للأمور.. امتلكت حافظة قوية في حفظ الأحداث والتواريخ خاصة الاجتماعية.. نسأل الله تعالى أن يجزيها عنا خير ما جزى به والدة عن ولدها، وأن يفعل ذلك بوالدينا ووالديهم، وأن يتجاوز عن تقصيرنا معهم وأن يعيننا على برهم في الحياة الدنيا وبعد الممات إذا فارقوا أعمالهم وأن يجمعنا بهم في دار كرامته ومستقر رحمته إنه جواد كريم بر رحيم.