هناك عدد كبير جداً من الناس يتكلمون بألسنتهم وأيديهم معاً.. على عكس أولئك الذين يسندون أيديهم لمقاعدهم ويتحدثون. وعادة الكلام باليد واللسان تختلف الأسباب التي جعلتها تصبح عادة ملازمة لصاحبها. فمن هو مثلى - مثلاً - تبدأ معه نتيجة لعدم امتلاكه لناصية الكلام بشكل جيد يمكنه من التعبير عن أفكاره بطريقة جيدة.. يرى أنها وصلت لمن يوجه له الحديث.. وجعلته يفهم ما قيل دون لبس. لذلك استعنت بيدي كمساند للكلام.. حتى توضح ما عجز لساني عن إيصاله لعل المستمع لي لا يلتبس عليه شيء مما أقول. وعندما أصبحت هذه عادة ملازمة.. وتقدم بي السن.. وتمعّنت في كثير من صوري وصور الآخرين الذين يتحدثون بأيديهم.. أدركت أنّ ((يدك)) يمكن أن تكون ((كائناً مستقلاً فيك)) دون أن تدري. لأنّ الكلام بالنسبة لمن هو مثلي ((مدّعي ثقافة)) يكون ترجمة عقلية.. أي أنه يريد أن يقول ما يجول في فكرك بسرعة موازية لسرعة الأفكار التي تتدفق في ((رأسك)) وتحاور الآخرين.. بينما لغة الحديث باليد هي استجابة عصبية تظن أنها تترجم نفس لغة الكلام.. لكن هذا في الغالب ليس صحيحاً. فعلى سبيل المثال.. لو قمنا ببث شريط مصور لمتحدث مزدوج.. وجئنا بشخص أصم.. أو متخصص يتعامل مع الصم والبكم بلغة الإشارة.. وطلبنا منه ترجمة لغة حركة يدي المتحدث مقارنة بالكلام الذي يقوله.. لوجدنا أنّ هناك فرقاً شاسعاً بين ما قاله اللسان وبين معنى الإشارة التي أرسلتها اليد. ونحن في موروثنا الثقافي والشعري نتحدث بإسهاب عن لغة العيون دون أن نهتم كثيراً أو قليلاً بلغة اليد ونحاول رصدها وترجمتها، لأنه يبدو أنها لغة جديدة نشأت مع العلوم الجديدة التي أسست قاموسها وفق حركة الإشارة لتأسيس لغة لتعليم الصم والبكم.. تكون قادرة على إيصال معاني الكلام.. أصبح الآن شهيراً ومعتمداً حتى في نشرات الأخبار. وحتى في هذه اللغة يحتاج الأمر إلى مران وتدريب طويل.. من المدرس أو المترجم الذي علية أن يقوم جاهداً بتوزيع ((حواسه)) فيستمع ويقوم بترجمة فورية عن طريق الإشارة.. وهذا أسهل بكثير من الترجمة الفورية من لغة إلى لغة لأنّ تعقيداته أقل. أما في أحاديث المجالس - مثلاً - فإنّ المستمع الذي لا يجلس أمامك مباشرة.. ويحدق في عينك.. فإنه سوف يتلقى إشارة اليد.. التي أصبحت بعض دلالاتها عامة كأن تشير للبعيد.. أو تقسم.. أو ترفض.. أو توجه لأحد ما دون غيره أو يرد السلام. إشارات كثيرة في الأحاديث متفق عليها بين المتحدثين.. لكنها طبعاً لا علاقة لها بدلالتها عندما يترجمها أبكم أو أصم. هذا يعنى أنّ أشهر لغات الجسد هي ثلاث: - لغة يقولها اللسان.. ولغة تجترحها العين.. ولغة تقول نفسها عن طريق اليد. لذلك في المجالس الرسمية أو التي يدير الحديث فيها كبار السن، فإنّ على المستمع أن يجعل يديه ثابتتين وظاهرتين.. توحي بحسن الاستماع والتقدير. هذا طبعاً بعيداً عن لغة الصورة.. سواء كانت شخصية وثابتة.. أو تسجيلية ومتحركة كما في المناسبات العامة.. أو في أفلام السينما مثلاً. وبالمناسبة فإنّ صُنّاع أفلام السينما الأمريكية.. يمنعون الممثلين والممثلات من القيام بعمليات تبييض الأسنان بالطريقة البشعة التي انتشرت بين الناس والمشاهير خصوصاً في فترة من الفترات.. أما السبب في المنع فجاء بعد مشاهدة نتائج التصوير، حيث اتضح أنّ المشاهد يهمل تفاصيل الوجه.. ويركز على ذلك الشعاع الإيهامي الذي ترسله الأسنان شديدة البياض. بالعودة إلى لغة الإشارة.. نجد أنّ كثيراً من الشعوب.. تنبهت لدلالات الإشارة، وانتبهت إلى أنّ حركات اليد في إشاراتها غير الوقحة المتعمدة - بعضها يحمل دلالة تقلل من الاحترام.. أو لا تكون لائقة بمقامات الآخرين الأكبر سناً.. لذلك تم تلقين الحركات بشكل صحيح للصغار منذ طفولتهم.. وأصبحت حركات اليد ليست عصبية مطلقة.. لكنها مروضة ومدروسة ومتوازنة مع لغة الحديث.