بين عليشة والشميسي تقع مدينة الملك سعود الطبية أو مستشفى الشميسي كما يحلو للعامة من كبار السن أن يرددوا، إِذ ما زال الاسم القديم للمستشفى عالقًا في أذهانهم بوصفه شاهدًا على عصرين متمايزين من أطوار الحياة في هذه البلاد المجيدة المباركة. بداية الحلم كانت البداية بلفتة كريمة من المغفور له الملك سعود بن عبد العزيز الذي بادر بتوفير الاعتمادات المالية التي تكفلت بإقامة المستشفى وتجهيزه للعمل في غضون عام 1376ه - 1956م، وهو ما كان يمثل طفرة كبيرة على صعيد الخدمات الصحية في ذلك الوقت المبكر من عمر المملكة بوجه عام. ومن سعة سريرية حجمها 450 سريرًا بدأ هذا الصرح الطبي الجبار حتى وصل إلى ما يربو على 1500 سرير، وما بين الرقمين تاريخ طويل من الإصرار والتطوير والإنجازات. وقد ارتبطت التسمية بشخص المغفور له الملك سعود بن عبد العزيز في أول الأمر، حينما كان المجمع يقتصر على أقسام الإسعاف والأمراض الباطنية والعظام والجراحة والنساء والتوليد والأطفال، هذا إضافة إلى المختبر والصيدلية وقسم الأشعة، وكان يقوم بتسيير العمل في تلك المرحلة طاقم طبي تم استقدامه من ألمانيا. ثم تم افتتاح العيادات الخارجية في غضون عام 1382ه، تبعه في نفس العام افتتاح مركز الدرن ومبني الأمراض الصدرية ومبني المختبر المركزي وبنك الدم، وبعد ذلك بسبعة أعوام تم افتتاح مستشفى النساء والولادة والأطفال، وفي عام 1395ه تم افتتاح وحدة لأمراض الكلي، ثم نقلت أقسام الأمراض الباطنية لمبنى مستقل مؤقت عام 1398ه. نقلة نوعية ومع هبوب رياح التطوير على كافة قطاعات الحياة في المملكة أخذت المدينة في الزحف نحو التطوير من خلال افتتاح مبنى مركز طب الأسنان عام 1405ه، وفي سياق التوجه إلى رفع كفاءة الخدمة الطبية تم الدمج بين المستشفى المركزي ومستشفى النساء والولادة ومستشفى الأطفال لتعد كيانًا واحدًا أطلق عليه مجمع الرياض الطبي وذلك في عام 1413ه، ثم استقر الأمر أخيرًا على تعديل الاسم ليصبح «مدينة الملك سعود الطبية» منذ العام 1431ه لتكون اسمًا على مسمى من حيث عدد المراجعين والكفاءة الطبية للعاملين، ومن حيث حجم الإنفاق المعتمد للخدمات الطبية في داخل هذا الصرح العملاق الذي يقدم خدماته لنحو مليون مواطن في العام. وخلال النهضة الصحية التي تشهدها المملكة أخذت وزارة الصحة في تطوير المدينة الطبية لتواكب مستشفيات الدول المتقدمة ويضاهيها، حيث كان يعد في فترة من الفترات من أكبر مرافق وزارة الصحة، إِذ تبلغ سعته السريرية حوالي (1400) سرير، ويقوم بمعالجة جميع الحالات المرضية، حيث يبلغ عدد مراجعيها في العام الواحد ما يقارب المليون مراجع ومراجعة، كما يبلغ عدد مراجعي إسعافاته الثلاثة (العام، النساء والولادة، والأطفال) ما يقارب النصف مليون مريض ومريضة، وتبلغ عدد العمليات الجراحية الكبرى التي تجري سنويًا (18) ألف عملية لجميع الحالات المرضية ما عدا القلب المفتوح. إنجازات تستحق الثقة ومن أجل أن نحيط القارئ الكريم بمكونات هذه المدينة الكبيرة نضع بين يديه تصورًا لأبرز أقسامها وأهم المراكز الطبية العاملة فيها التي تتسم جميعها بالكفاءة العالية كقسم الإسعاف والطوارئ وقسم العيادات الخارجية ووحدة تنظير الجهاز الهضمي وغير ذلك من الأقسام التي تحظى بعمليات تطوير مستمرة من أجل الحفاظ على كفاءة العمل فيها. قسم الإسعاف والطوارئ يمثل هذا القسم أحد الشواهد على ما تقدمه مدينة الملك سعود الطبية من خدمات طبية متكاملة للمرضى على مدار الساعة باختلاف حالاتهم، وذلك في إطار سعي المدينة الدائم إلى خدمة المجتمع والوطن، ليس هذا فحسب، بل يقدم قسم الإسعاف والطوارئ أيضًا خدمات تدريبية لطلاب وطالبات كلية الطب والطب المساعد والمعاهد الفنية المختلفة. كما تم إنشاء مركز للحوادث الذي يعد الأول من نوعه في المدن الطبية بالمملكة وجاري العمل على استكماله ويتكون من ثلاث عيادات متخصصة بجميع الأجهزة الطبية اللازمة وبفريق طبي وتمريض مؤهل لحالات الحوادث، حيث إن 13 في المائة تقريبًا هي مجموع عدد الدخولات للعناية المركزة من مصابي الحوادث. - مستشفى النساء والولادة: تحتوي مستشفى النساء والولادة في مدينة الملك سعود الطبية على أحدث التجهيزات الطبية والتكنولوجية، وتضم أكثر أطباء الجراحة النسائية والتوليد مهارة وكفاءة في المملكة، فمنذ إنشاء المستشفى عام 1395 ه وهي تقدم خدمات متميزة تلبي احتياجات المريضات على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع. مستشفى الأطفال يحتوي مستشفى الأطفال في مدينة الملك سعود الطبية على أحدث التجهيزات الطبية والتكنولوجي ة، وتضم العديد من الأقسام والعيادات المتخصصة وطوارئ للأطفال، ويعد أول مستشفى يحوي مركزًا متخصصًا لاضطرابات النوم لدى الأطفال ويحوي عديدًا من الأطباء المتخصصين والمؤهلين، فمنذ إنشاء المستشفى عام 1395 ه وهي تقدم خدمات متميزة تلبي احتياجات المريض على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع. قسم العيادات الخارجية يتميز قسم العيادات الخارجية بتوفر العديد من التخصصات التي تلبي حاجه المرضى المحولين من المراكز الصحية والمستشفيات على مستوى المملكة، حيث توجد عيادات متخصصة في الجراحات العامة، وجراحات العظام، والمخ والأعصاب، والمسالك البولية، والصدر، والتجميل والحروق، والأنف والأذن والحنجرة، إضافة لأمراض العيون وجراحتها. كما تشمل العيادات قسمًا متكاملاً لأمراض الباطنة، والقلب، والكبد، والأعصاب، والروماتيزم، والدم والأورام، وأمراض السكري، والأمراض الجلدية والتناسلية، والتخدير وعلاج الألم، وعيادة الرعاية الأولية، وعيادة التغذية وعيادات المشورة، وعيادة العقم. وجارٍ العمل حاليًا على تجديد وتطوير العيادات الخارجية وإنشاء عيادات متخصصة جديدة بميزانية تقدر بحوالي190 مليون ريال. المستشفى العام وبرج الباطنة: ويضم عديدًا من التخصصات والأقسام الطبية المهمة مثل قسم العظام، والأمراض المعدية، والأمراض الصدرية، والمسالك، وقسم التجميل والحروق وغيرها الكثير من التخصصات، إضافة لقسم العناية المركزة الذي يعد أول الأقسام الطبية المتخصصة في المملكة، وقد بدأ العمل بها في أوائل عام (1393ه). إنجازات متتالية تبذل مدينة الملك سعود الطبية غاية جهدها لأجل التَّميز في تقديم خدمة طبية راقية وهو ما انعكس على مستوى الإنجازات التي حققتها إدارة المدينة طبيًا وفنيًا، ومن يطلع على العمليات الجراحية التي تجري بين جنبات المدينة يدرك مدى ما وصلت إليه الخدمة الطبية فيها من تقدم بالغ. و مما يشار إليه بالبنان في هذا الشأن قيام فريق طبي سعودي في مدينة الملك سعود الطبية بإجراء عملية لطفلة عمرها ثمانية أعوام كانت عاجزة عن فتح فمها منذ كانت في الثالثة من عمرها. السعي الدائب نحو التطوير والتحديث تضع مدينة الملك سعود الطبية التدريب والتطور المستمرين على قائمة أولوياتها وذلك عن طريق إقامة الشراكات العلمية والمهنية مع الكيانات الطبية الأخرى على نحو ما تم من شراكة مع كلية الطب في جامعة الفيصل يتم بمقتضاها إجراء البحوث المشتركة وتبادل الخبرات والاستفادة من الكفاءات بين كلا الطرفين. الاهتمام بالتوثيق الرقمي ومواكبة للتطور التكنولوجي الذي تشهده البلاد خلال السنوات الأخيرة، تسعى مدينة الملك سعود الطبية إلى حوسبة سجلاتها وذلك عبر تدشين برنامج رقمي إلكتروني يتولى تسجيل كافة التقارير والسجلات الطبية، وهو يهدف إلى تحويل ملاحظات الأطباء الشفهية والمكتوبة إلى نموذج طبي منسوخ ومطبوع إلكترونيًا، وهو ما يمثل تطورًا بالغًا في مستوى الخدمة الطبية وإدارة المعلومات. وعلي صعيد آخر، أنشأت المدينة أحدث غرف عمليات رقمية لجراحة الوجه والفكين وهي غرفة تستخدم التكنولوجيا للتحكم في الأجهزة الطبية التي يريدها الجراح فضلاً عن تزويدها بإمكانية البث المباشر لأي مكان في العالم لمواكبة أغراض التعليم وتبادل الخبرات. مسيرة التنمية والتطوير اعتمدت مدينة الملك سعود الطبية الخطة المستقبلية للسنوات السبع المقبلة، التي تمثل رافدًا مهمًا في مسيرة التنمية والتطوير التي تسعى المدينة لتحقيقها وتتماشى مع رؤية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله- لجعل المملكة قائدة في تقديم خدمات طبية مميزة للمواطنين. ففي إطار المشروعات الحالية والخطط المستقبلية التطويرية لمدينة الملك سعود الطبية، التي تم اعتمادها منذ العام 1434ه لمدة سبع سنوات تشمل مراحل عدة أولها مشروعات جار تنفيذها، ومنها إنشاء البرد الثاني إِذ إن من المقرر انتقال مستشفى النساء والولادة ومستشفى الأطفال للبرج الجديد بعد افتتاحه لتقديم خدمة أفضل للمريض وبخصوص المشروعات المستقبلية للمدينة فهي تشمل إنشاء مبنى خاص للعيادات الخارجية وفقًا لأعلى المعايير والاشتراطات الطبية العالمية المعمول بها، إضافة لإنشاء البرجين الطبيين (الثالث والرابع) لتوفير أرقى الخدمات الطبية للمواطنين، كما سيتم إحاطة البرجين الطبيين بعدد من ساحات الانتظار وذلك لراحة المراجعين. الجودة الشاملة حين نستعرض مسيرة الستين عامًا من عمر مدينة الملك سعود الطبية نقرن ذلك بمسيرة التَّميز في مجال جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى، التي تتماشى مع رؤية وزارة الصحة «المريض أولاً» لتحسين مستوى الخدمات الطبية المقدمة، من خلال تبني رؤية واضحة في أن تكون إدارة الجودة بالمدينة مرجعًا للجودة الشاملة على مستوى وزارة الصحة، وذلك لتحقيق رسالتها في الارتقاء بجودة الخدمات الصحية التي تقدمها المدينة بنشر مفهوم الجودة وسلامة المرضى وتطبيق المعايير الوطنية للمستشفيات من خلال كوادر مؤهلة في ضوء الإمكانات المتاحة. وتنفيذًا لتلك الرؤية تم إعداد خطة عمل متكاملة من قبل إدارة الجودة الشاملة بالمدينة وبالتعاون مع جميع إدارات وأقسام المدينة لإطلاق مسيرة التَّميز للوصول إلى الهدف الأول وهو «سلامة ورضا المريض»، حيث تم استحداث بعض الأقسام داخل إدارة الجودة مثل وحدة سلامة المريض، ووحدة تطوير السياسات والإجراءات والنماذج، ووحدة الاعتمادية، ووحدة التعليم والتدريب، ووحدة مراقبة وتطوير الأداء، ووحدة تنسيق اللجان. حيث باشرت هذه الأقسام عملها وضمن الخطة الموضوعة وبالتعاون مع بعض المستشارين من قبل وزارة الصحة لتهيئة المدينة لتطبيق معايير سلامة المرضى الموضوعة من قبل المجلس الأعلى لاعتماد المؤسسات الصحية (سباهي) للعام 2010 وبالفعل وبروح الفريق الواحد وتضافر الجهود تم تحقيق الإنجاز. واستمرارًا للمسيرة ذاتها تم البدء بتهيئة المدينة لتطبيق معايير سلامة المرضى من قبل اللجنة الدولية المشتركة لاعتماد المنشآت الصحية للعام 2013.