رغم عدم إنجاز خطة الإنقاذ الثالثة لليونان بعد، أبدى الأطراف المعنيون وهم أثينا وبرلين وصندوق النقد الدولي، شكوكاً حول قابليتها للتطبيق كما عبروا عن انتقادات للشروط التي وضعت لغاية الآن. ولابد من الرد على هذه الشكوك التي تتعدى مجرد مجموعة من خبراء الاقتصاد، لإنجاح المفاوضات المتعلقة بتفاصيل خطة الإنقاذ الثالثة لليونان في غضون ست سنوات، والمتوقع أن تبدأ في وقت قريب. وليس من المستغرب أن تكون اليونان الأكثر تحفظاً.. فالاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة الاثنين، يفرض تدابير تقشف أكثر قسوة على أثينا ويجعل اقتصادها لدرجة ما، خاضعاً لقوى خارجية. وقبل أن يجف حبر توقيعه على الاتفاق قال رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس إنه «لا يؤمن به» لكنه قبل به لتجنب كارثة تخلف عن السداد محتملة، أو الخروج من منطقة اليورو. وقال تسيبراس أمام البرلمان «كان أمامي خيارات محددة: أحدها القبول باتفاق لا أوافق عليه في نقاط عدة، والثاني تخلف عن السداد يحدث بلبلة». وقال وزير المالية اقليدس تساكالوتوس «لا أعلم إذا قمنا بالأمر الصواب. ما أعلمه هو أننا قمنا بأمر لم يكن لدينا خيار بشأنه». وحسب وكالة (أ ف ب) يبدو الطريق طويلاً قبل أن تأخذ السلطات بيدها زمام الخطة، كما تأمل المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد. وألمانيا، أكبر الجهات الدائنة لليونان، كانت مترددة حيال الخطة وقال بعض المسؤولين فيها إنه ربما لا يزال من الأفضل لليونان أن تخرج من منطقة اليورو، أقله لخمس سنوات. وفي كلمتها أمام مجلس النواب الجمعة حثت المستشارة انغيلا ميركل المشرعين على دعم الاتفاق، لكن دون أن تكون مقنعة جداً. وقالت «سيكون إهمالاً جسيماً، وتصرفاً غير مسؤول إذا لم نجرب على الأقل هذا المسار».. وأشارت المستشارة إلى «تشكيك مشروع» ووصفت الاتفاق ب»المحاولة الاخيرة» حتى عندما حثت المشرعين على دعمه وقالت إن البديل عن ذلك سيكون «الفوضى والعنف» في اليونان. كما حث وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله المشرعين الألمان على دعم الخطة الجديدة، حتى وإن ألمح إلى أن خروجاً مؤقتاً من منطقة اليورو قد يكون الأفضل. وقال «لا يمكننا القيام بذلك، لا نريد ذلك.. لكن ذلك ربما يكون الحل الافضل». من ناحيته أثار صندوق النقد الدولي ومقره واشنطن الشكوك الأكبر عندما قال إن الخطة التي وضعت غير قابلة للتنفيذ وأن الصندوق لا يمكنه الانضمام لها ما لم يكن هناك خفض «دراماتيكي» للدين اليوناني لضمان استمرار»القدرة على التسديد» على المدى الطويل. وبلغة صارمة وصف مسؤول كبير اتفاقية الاثنين بين أثينا والقادة الأوروبيين بأنها «ليست اتفاقاً شاملاً مفصلاً على الإطلاق». وقال المسؤول «يمكن للأوروبيين أن يقولوا الآن نحن جاهزون لتقديم خفض للدين.. لكن ذلك ليس واقعياً جدا». ويبدو أن الأوروبيين مستعدون الآن للقبول بطلب صندوق النقد الدولي رغم استمرار وجود خلاف على الأرجح بشأن حجم خفض الدين الضروري. غير أن شكوك صندوق النقد الدولي ليست محصورة فقط بتلك المسألة. فالهيئة المالية ترى أن أهداف الموازنة المطلوبة من أثينا بموجب خطة الإنقاذ تكاد تكون بعيدة عن التحقيق. فقد طلبت الجهات الدائنة من أثينا تحقيق فائض موازنة بنسبة 3.5% من إجمالي الناتج المحلي والمحافظة على هذه النسبة. غير أن دراسة أجراها الصندوق تقول إن عدداً قليلاً من الدول تبلغ مثل ذلك الهامش وعدداً أقل يحافظ عليه لفترة طويلة. وشكك معهد المالية الدولية، المجموعة المصرفية التي لعبت دوراً رئيسياً في هيكلة صفقة الإنقاذ الثانية، في إصرار خطة الإنقاذ الثالثة على تسوية الموازنة اليونانية قبل استئناف النمو الاقتصادي. وقال المعهد «يجب أن تركز البرامج المستقبلية أكثر بكثير على إجراءات تعزيز النمو وليس فقط تحقيق فائض أولي بأي ثمن». في سياق ذي صلة، أعرب فيرنر زين رئيس معهد «إيفو»الاقتصادي الألماني عن اعتقاده بأن حزمة الإنقاذ المالي الثالثة لليونان خطأ جوهري. وفي تصريحات لصحيفة «باساور نويه برسه» الألمانية الصادرة السبت، قال زين إن هذه الخطوة «عديمة التأثير بصورة تامة». وأضاف حسب وكالة «د ب أ» إن الألفي يورو التي تدفعها ألمانيا لكل مواطن يوناني، قد ألقي بها من النافذة.. وتابع زين إنه لا يمكن لأحد جاد أن يدعي أن هذه الخطوة لن تسبب أعباء مالية بالنسبة للموازنة الاتحادية ولدافعي الضرائب الألمان «والكل يعرف أن مليارات اليورو من المساعدة لليونان لن يتم استردادها». كان البرلمان الألماني (بوندستاج) قد وافق الجمعة بأغلبية الثلثين تقريباً على تفويض الحكومة في التفاوض مع اليونان حول منح حكومة أثينا حزمة إنقاذ مالي ثالثة.. واختتم زين تصريحاته بالقول إن المساعدات الجديدة من شأنها تأمين المستوى المعيشي لليوناني لكن الأزمة ستندلع «لأن المستوى المعيشي لليونانيين مبالغ فيه تماماً مقارنة بإنتاجية بلادهم ولذلك فإن المعيشة غالية للغاية والمساعدات الجديدة ستديم هذه الحالة ومن ثم ستتطلب حزمة إنقاذ رابعة» معرباً عن تخوفه من إمكانية ظهور دول جديدة مرشحة للحصول على حزم إنقاذ «فالأمر لن يتوقف عند اليونان بل إن دولاً أخرى ستطرق على الباب وتطلب إسقاطاً للديون». وفي سياق متصل رأى كليمنز فوست رئيس مركز أبحاث الاقتصاد الأوروبي ومقره مدينة مانهايم (زد إي دبليو) أن هذه الخطوة غير مشروعة وتلتف حول قواعد منطقة اليورو وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إن منح دولة مغرقة بالديون قروضا جديدة يعني «إهداء هذه الأموال إلى هذه الدولة».