بهذا الخطاب الروائي الذي نعيش آنيّته ضمن الرواية في السعودية لن نستطيع أن نخرج من الواقعية البحتة التي ابتدأت كتقعيد تقني في القرن التاسع عشر، وبلغت أوجها مع نجيب محفوظ في بداية القرن العشرين في الرواية العربية، فالرواية في السعودية تكرر مضامين الرواية التي مر عليها ما يقارب قرنا من الزمان. لم يستطع الروائي في السعودية أن يخرج أو أن يفجّر الإبداع الروائي الواقعي المكرور والذي وصل حد الملل والنسخ في العديد من الروايات حتى وإنْ أيقنا بأنه استطاع أن يُخضع عمله الإبداعي للتقنيات الروائية الحديثة التي تهتم بالتكنيك إلا أنه لا يزال يراوح في مكان انعكاس الواقع أو نقد الواقع أو تعرية الواقع، فالواقع هو الأساس الذي يدور عليه العمل الروائي، ونجد هذا بجلاء عند عبده خال منذ (مدن تأكل العشب) و(لوعة الغاوية) و(فسوق) حتى (ترمي بشرر)، وهو الأمر ذاته عند يوسف المحيميد منذ (فخاخ الرائحة) و(القارورة) حتى (الحمام لا يطير في بريدة)، ولا يختلف ذا في الرواية النسائية إذ إنّ بدرية البشر تُطابق روايتها (هند والعسكر) مع رواية (القارورة) في كثير من أحداثها المغرقة في الواقعية، وما رواية (البحريات) إلا مثال جليّ للدوران في فلك الواقع. فالواقع في هاته الروايات ينجرّ على العديد من تقنيات الرواية فشخصياتها تكاد تراها أمام عينيك في واقعنا المعيش مما غلّب عليها اصطلاح (الرواية المقنّعة) والزمان مصرّح به في بعض الروايات ك(البحريات) والمكان هو عينه المكان الذي نرتاده في حياتنا الحقيقية وتكفي رواية (الحمام لا يطير في بريدة) على حضور المكان الواقعي فيها. هل الواقعية في الرواية تعدّ عيبًا فنيًا؟ لعل هاته النماذج الروائية في السعودية التي تدور في فلك مؤطر بواقعها تحيل الأدب الواقعي أو الرواية الواقعية إلى بؤس واقعي، لماذا؟! لأن الروايات تتناسخ والمبدع متعدد، فلو أننا افترضنا واقعيات في الرواية في السعودية لا واقعية واحدة فإن الواقعية هنا تنزاح نحو الإبداع الواقعي المرغوب لكن حينما لا نرى (الآخر) الغربي في الرواية لأنه غير موجود في واقعنا، أو عندما تُقهر المرأة في كل النماذج الروائية فإننا في تحليل اجتماعي أكثر من كونه عملاً إبداعيًا. ولعل هاته الخلفية التي اعتمدت عليها الرواية تعمّق السير ذاتي في روايتنا في السعودية، لأن المبدع يكتب واقعه من خلال تصوره، فالسيرة الذاتية «تمثُلُ... لمقومات أساسية في السرد تُوحِدُها مع التاريخ والتخييل» (نظريات السرد الحديثة، والاس مارتن ص97)، وكذلك فإنه من خلال نقده للواقع فهو يحكي سيرته الذاتية أو يحكي سيرةً غيريةً أكثر من كونه يكتب رواية عالمية. وقد تروق الرواية الواقعية للكثير ممن يهتمون بالتوثيق باعتبارها توثيقًا لمرحلة الحياة، فتتحول الرواية هنا إلى عملٍ تاريخيٍ أكثر من كونها عملًا أدبيًا مما يُسبغ عليها التأريخ، فتُقرأ على أنها تأريخًا لا عملًا روائيًا وهذا ما نجده بجلاء تام في رواية (البحريات) كما نجده في رواية (الإرهابي20) الذي يؤرخ لمرحلة ما يسمى ب(الصحوة)، وأذكر أنني كنتُ في نقاش مع عدد من الأصدقاء حول هاته الرواية في كونها تأريخا أكثر من كونها عملًا إبداعيًا،فصرح لي بعضهم أنه قرأها ليعرف أكثر عن تأريخ الشباب في مرحلة (الصحوة)، مع أنّ اعتبارها عملا إبداعيا يظهر ركاكتها في تقنياتها اللغوية والشخصية وربط الأحداث وصياغة الحبكة. أزعم أننا حينما نكون مبدعين واقعيين فإننا نبتغي الأسهل، و نركن إلى الوصف والنزع مما هو قريب لحياتنا، فهي تمارس لعبة المخاتلة مع مَنْ وما حولنا، لأن الغوص في الإنسان تجريديًا ومحاولة تذويت الزمكان والاطمئنان إلى السحرية أو العجائبية يستدعي جهدًا أكبر وتفكيرًا أعمق مما تستدعيه الواقعية النسّاخة.