المعرض الذي اقامه المجهول في صالة الضياع ضم مليارات من اللوحات لم تكن جميعها باللون الأسود والأبيض..بعضها لُوّن بألوان العيد، وبعضها رسم وجوها بقسمات مختلفة، فيما حلقت لوحات أخرى في دهشة اللامعقول..نظرت الى ساعتي.. الوقت يشير الى ثمالة ما تبقى منه، والجدار المنتصب أمامي لا تحده حدود..خربشات على جدار الزوار تظهر وجود آخرين، لا أتبين لهم صوتا، ولا صورة..، كأنهم الغمام بين أضراس ريح.. رحلة دون تذكرة.. وجدران دون سقف.. لوحات دون الريشة أو أصابعها..- ما الذي أتى بي الى هنا؟.. بحث سريع على غوغل.. عن تأريخ ميلادي.. وجه أمي.. وهي تلدني.. صرخاتها.. شكل أبي، وهو يستاء من أنوثة بشر بها توا.. وجوه قد مرت بي، أو مررت بها.. أختام أقدام من موطن أعرفه بعثراتها على الصفحات الإلكترونية..أبحث عن وجهي..- البيانات لا تطابق ما كتب في حيز البحث..طعم خبز التنور يبحث عن موهبتي في التعرف اليه.. رائحة الشاي المهيل تحيط بي كذراعي أمي.. لكن غوغل حدق في وجهي بسيماء ذاهلة.. تمنيت لو ان حيز البحث يكبر قليلا، ويستوعب حكايتي: - قد كان لي ببساطة قرية من طين، ومدرسة، وتلاميذ لا يتغيبون عن الدرس، وإن أمطرت ثلوجا، يرتدون ثقوب الأسمال، ويحلمون أحلاما لا تسعها بيوت القرية.. هل من أثر لها في معرض المجهول؟؟.. هل من بقايا لها في صالة الضياع؟؟..البدايات ارتمت بين شهوة كينونة، وامتناع.. كخيوط فجر لم يشأ ان يعزف نهاره بعد على وتر الشمس.. الأوراق البيضاء، الكلمات العذراء.. جميعها ترتعش بين تلاش وظهور..على الطاولة انتصبت لحظة تحول في انتظار ان أقبض بأناملي عليها.. أصوات حشود تسد منافذ الإصغاء، تهدر من ثقب كوني.. هنالك غيري ربما؟؟.. الحاسوب بصمته لا يُنكأ له جرح أمام هول حيرتي.. يطالعني بدهشة غوغل امام أسئلتي.. حتى تستأثر بي رغبة بحث عارمة.. تستولي علي تماما.. التقط حمى التحام مع أناس معي في الصالة بملقط قروي ساذج، كذلك الذي يحثون فيه الجمر على الاتقاد.. تسحرني ذكرى، أو خيال، أو ظل إنسان ينكر قبر وحشتي.. وعند شفاه تتشهى الموت تهذي بعض كلماتي إزاء كل عدم يرميني صوب غيره: - هيا يا غوغل.. أرجوك.. أيها ال-... ألن تقل لي في أي مكان أنا؟..قد رضعت حليبا من أم تجهل أبجديتها، وقد ظننت انني لن أكون مثلها يوما، وسأغير الاقدار التي عجزت عن فعل ما يضدها، ولن يتجاهلني الكون مع معرفتي بأبجدية كانت فوق الدفاتر كشموس تتقدم نحو صغار القرية.. لكنك الآن تزدري كل أبجدية أتقنها، فأنا خارج أسوارك، في معرض المجهول.. في صالة الضياع.. الجفاف يهل كمطر الكتروني لا يرى على محيا غوغل.. يتوقف البحث عند النتائج ذاتها، ويكرر نصائحه.. غير الإملاء، اختصر الكلمات، ابحث بلغتك..!!! أغادر صفحة غوغل كمذنب أقيم عليه الحد.. وابتعد بضع خطوات.. انظر إلى الجدار الذي لا ينتهي مثل جدار صين الكتروني يلتف حول نفسه في بانوراما مثيرة للغثيان.. أمد يدي نحو لوحة تتكلم.. تتكلم دون توقف بصوت أقرب إلى صوت إنسان آلي.. أغتالُ الضباب الذي شكلها بأصبعي دون قصد.. تتساقط كلماتها كنثيث ثلج على سواد هوة تحت قدمي.. انتقل إلى لوحة امرأة ترقص.. وتغادر مكانها..