إن من أهم أسرار قوة أي منافسة هو احتكامها للعدالة.. بل ولا أبالغ حين أقول إنها أحد أسباب جمال وشعبية وتسويق أي منافسة. ومن هنا فإنَّ ما نتوقعه ونرجوه كمتابعين للمنافسات الرياضية هو الاتزان والالتزام الكامل في صياغة وتطبيق أنظمة وقوانين وقرارات الأجهزة المعنية بتحقيق العدالة في المنافسة الرياضية.. ومن أبرز تلك الأجهزة المعنية بذلك هي لجان ومنظمات الأعمال المسؤولة عن القوانين واللوائح الخاصة بالانضباط التي تعد أحد أهم أركان العمل الرياضي المؤسساتي المحترف. والمتابع للمنافسات الرياضية في المملكة وفي مقدمتها منافسات كرة القدم يدرك إلى أي مدى بلغ التأثير المعنوي والمادي لقرارات وعقوبات وممارسات لجنة الانضباط وكل ما يتبعها من ردود أفعال هنا وهناك!! نظراً لما جسدته تلك القرارات من تفاوت في الشكل والمضمون والمنهج والاستناد. ولست هنا للدفاع أو الهجوم تجاه قرار بعينه أو الوقوف مع أو ضد لاعب بحد ذاته أو التصدي لقرارات صدرت بحق أحد الفرق.. فالأندية واللاعبون على حدٍ سواء لديهم منصاتهم الدفاعية قانونياً وجماهيرياً وإعلامياً.. بل إن كل ما أطلبه وارجوه كغيري من المتابعين والرياضيين هو ضمان تحقيق العدل ولا غيره، وأن تكون المساواة في التعامل مع الحالات هي الأساس الذي يقوم عليه عمل الانضباط. فحين تتابع ما يحصل مع تلك القرارات في كرة القدم السعودية فإنك لن تحتاج إلى مجهود كبير أو دراسة واسعة لتصل إلى القناعة التامة بأنها أكثر القرارات الرياضية في بلدنا تفاوتاً وغرابة مقارنة بغيرها.. فقرارات الانضباط لدينا تصدر بشكل عجيب في توقيته وشكله ومضمونه. تشابهت حالات فتنوعت العقوبات!! واختلفت حالات فتشابهت العقوبات!! تارة تنفذ عقوبة لأحد اللاعبين استناداً على أحد نصوص لائحتها وفي الوقت ذاته تجتزئ العقوبة علانية.. فينفذ جزء منها ولا ينفذ الآخر. وتارة تحكم على حالات معينة من مصادر مصورة ومسجلة.. وفي الوقت ذاته ترفض التعامل مع مقاطع ومصادر مشابهة!! وتارة تحتفظ باحدى الحالات ولا تبت فيها إلا بعد مدة زمنية.. فتثير الشكوك وتكثر التأويلات تجاه تأخير إصدار هذه العقوبة أو تلك!! ففي الوقت الذي ينتظر فيه الجميع أن تكون لجنة الانضباط مصدراً للأمان والاستقرار والعدالة الرياضية، فإذ بها تكون أحد أسباب وأدوات الشحناء وزيادة حدة التعصب والانفلات الجماهيري غير المحسوب. تلك اللجنة باتت أحد أبرز وحدات العمل الداخلية بالاتحاد السعودي لكرة القدم وللأسف أن بروزها لم يكن بسبب إجادتها في عملها أو إتقانها له.. بل إنها برزت نتيجة إضافتها النوعية السلبية على منافسات كرة القدم الوطنية.. فبدلاً أن تكون عوناً على التقدم.. فقد كانت مؤشراً للتأخر!! علاوة على ذلك فإنَّ التعامل مع أنظمة الانضباط لا يختلف عن التعامل مع سائر الأنشطة والمكونات الرياضية في الاتحادات الرياضية.. فحينما أضاع اتحادنا الوطني أسلوب الإدارة الأمثل لإجراءات وأنظمة وتطبيقات الانضباط فإنَّ أنديتنا هي الأخرى أصبحت ضحية لتلك الممارسات فتاهت بوصلتها باتجاه ثقافة التعامل مع قوانين ولوائح الانضباط. لذا فلا غرابة أن يفرد الاتحاد الآسيوي عضلاته على أنديتنا بشكل واضح وعلني وسط مشاهدة ومتابعة صامتة لاتحادنا الوطني الذي افتقد إلى أهم ركائز التعامل مع الانضباط أصلاً.. وفاقد الشيء لا يعطيه.. فحين تكون ضعيفاً من الداخل فإنك لن تستطيع بأي حال من الأحوال فرض شخصيتك وهيبك وقوتك خارجياً. قوة الانضباط في شدته.. وقيمته في عدالته.. وجماله في مساواته.. فإن كانت كذلك فهذا ما تطلبه المنافسات وتشترطه القيم ويسعى إليه الخصوم.. أما إن كانت غير ذلك فستكون بمثابة الصخرة الهامدة في طريق تطور مسيرة العمل الرياضي الوطني. الانضباط.. مسؤولية من؟؟ إذا ذهبنا إلى المعنى العام للانضباط في السلوكيات فإننا سنجد أنفسنا أمام عنوان عريض وشامل يجعل الجميع بلا استثناء مطالبين بضبط سلوكياتهم تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين.. ويخطئ من يعتقد أن مسؤولية لجان الانضباط في الرياضة هي زرع السلوكيات الحسنة وإبعاد السلوكيات السيئة.. فهذا الأمر تشترك فيه التربية والبيئة التي ننشأ فيها وأساليب وضوابط العمل الحياتية التي تضبط تصرفاتنا وتهذب سلوكنا. إلا أننا يجب ألا نغفل أن لوائح وقوانين الانضباط هي أهم وابرز عوامل ضبط السلوكيات من خلال نفوذها القانوني في إيقاع العقوبات على كل من خرج عن الأدب وأساء التصرف وأطلق لسانه وجوارحه تجاه الآخرين!! وحتى نكون مغردين داخل سرب العدالة والانضباط فإنه من الواجب علينا جميعاً أن نقف مع كل قرار رادع لأي تصرف خارج عن الروح الرياضية أو خادش لجمالياتها وهذا أهم وأول الخطوات التي يجب علينا التحلي بها.. فالوقوف مع الخارجين عن الروح الرياضية والمسيئين للآخرين والدفاع عنهم والتبرير لتصرفاتهم لا يقل جرماً عن أصل الخطأ.. فإذا كنا نحترم ونقدر ونشجع أنديتنا ولاعبينا فإنه علينا تقويمهم عند الخطأ.. وتأييد العقوبات التأديبية الصادرة بحقهم.. ليس فرحاً بمعاقبتهم ولا تشفياً بهم.. وإنما امتثالاً لأدبيات العمل والتعامل مع الآخرين.. لذا فإنَّ انتشار ثقافة التعاطي مع قرارات الانضباط ستظل مسؤولية الجميع.. وبلا استثناء.. كل فيما يخصه.. وسنلتقي في مسارنا مجدداً الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى لنستكمل أهم وسائل وسبل خريطة الطرق نحو انضباط منضبط.. الانضباط الرمضاني وعلى ذكر الانضباط فالأمر هنا مختلف.. حيث نعيش أيَّاماً وليالي تمثل في شكلها العام أبرز صور وهويات الانضباط الذي يعيشه ويتعايشه المسلم مع أحكام دينه.. انضباط تلقائي.. انضباط بدوافع دينية ذاتية.. رقيبه هو الله سبحانه. اللهم اجعلنا ممن بلغته رمضان.. ورحمته في العشر الأولى.. وغفرت له في العشر التالية.. ثم أعتقته من النار في العشر الأخيرة يا رب العالمين.. دمتم أحبة.. تقربكم الرياضة.. ويجمعكم وطن. بدر إبراهيم السعيد - مختص بالتخطيط الاستراتيجي للمنظمات الرياضية