يحكى أن ثلاث بنات كن يعشن على ثمن ما يغزلنه كل يوم. وكان الملك قد أصدر قراراً بعدم اشتعال الضوء ليلاً في سائر المدينة، فكن يشعلن ضوءاً صغيراً جداً ليتمكن من الغزل على نوره الضئيل. وحدث مرة أن كان الملك يتجول في شوارع المدينة متنكراً، فلمح منزل البنات الثلاث وقد ظهر فيه نور خافت، فدخل عليهن، وسألهن عن سبب إشعال الضوء، مع أن الملك قد منع ذلك، فقلن له: إننا نعيش على ثمن ما نغزله، ويجب أن نعمل في الليل والنهار حتى نؤمن عيشنا ولولا هذا الضوء الصغير لما تمكنا من الغزل ليلاً. فسألهن الملك: وبكم تبعن غزلكن كل يوم؟ فقلن له: نبيعه بثلاث ليرات، وحدة منهن نرميها في البحر، والثانية نقرضها، والثالثة ننفقها. عجب الملك لهذا الجواب الغريب فأظهر لهن حقيقته، فذعرن لدى رؤية الملك أمامهن، ولكنه طيب نفوسهن، وسألهن عمّا يعنين بكلماتهن الغريبة هذه، فقلن: أما الليرة التي نرميها في البحر فهي التي نخبئها في حصالة النقود لتنفعنا في اليوم الأسود، وأما التي نقرضها فننفقها على أولادنا ولابد أن يعود أولادنا فينفقوها علينا حين يكبرون. وأما الثالثة فننفقها على معيشتنا. أعجب الملك بذكاء الفتيات الثلاث ومنحن كيساً صغيراً مليئاً بالنقود، وأمرهن أن لا يذكرن تفسير كلماتهن لأحد إلا إذا كان معه (ختم الملك). وعاد الملك من فوره إلى قصره فاستدعى وزيره وقال له: ليرة يرمونها في البحر وليرة يقرضونها وليرة ينفقونها، ماذا يعني هذا الكلام؟ ووقف الوزير مذهولاً لا يجد جواباً على سؤال الملك، فقال له الملك: امنحك أربعين يوماً لتعرف جواب هذا السؤال، فإن لم تتوصل إلى حله بعدها قطعت رأسك. خرج الوزير من عند الملك حزيناً مهموماً يفكر بذلك السؤال الغريب وراح يتنقل من مكان إلى آخر وهو يعرض السؤال على كل من يلقاه عسى أن يظفر منه بالتفسير الصحيح، ولكن دون جدوى، وطال بالوزير الأمد وأشرفت الأيام الأربعون على الانتهاء. وبينما كان يبحث ويفتش مر يوماً بمنزل الفتيات الثلاث، فاستقبلته وأكرمته، وسألته عن غايته فقال: أريد أن أعرف تفسير كلمات لم أفهمها وسأعطي لمن يشرحها لي مائة ليرة ذهبية. فقلن له وما هذه الكلمات؟ فقال: ليرة يرمونها في البحر وليرة يقرضونها وليرة ينفقونها. ما معنى هذا الكلام؟ نظرت الفتيات في وجوه بعضهن، ثم تجرأت إحداهن فقالت: أما الليرة التي يرمونها في البحر فيرمونها في حصالة النقود لتنفعهم فيما بعد وأما التي يقرضونها فينفقونها على أولادهم لينفق أولادهم عليهم حين يكبرون، وأما التي ينفقونها فيعيشون منها. فرح الوزير أشد الفرح بهذا التفسير، وتركهن ومضى من فوره إلى الملك، وراح يلقي عليه تفسير سؤاله، فوافقه الملك وكافأه مكافأة كبرى، وسأله عمن أعطاه الجواب فدله على الفتيات الثلاث. وفي اليوم التالي أرسل الملك يستدعيهن، فجئن إليه وقد أصابهن القلق لهذه الدعوة، وحين مثلن أمامه قال لهن: ألم أوصكن بألا تشرحن الكلمات لأحد إلا إذا أظهر لكن ختم الملك؟ فقلن له: لقد فعلنا ذلك ولم نشرحها لأحد إلا بعد أن أعطانا مائة ختم من أختام الملك. ثم أخرجت الليرات الذهبية وأرينه إياها وعلى كل منها ختم الملك. فأعجب الملك بذكائهن الشديد وأمر لهن بمكافأة كبرى وبيت كبير وجميل. ** ** ** رسوم 1 - فرح محمود أبو حليلو 2 - سوزان محمد محمود 3 - علياء علي البرش 4 - مروى إسماعيل معمر 5 - آية نبيل داود