في زاوية «عوداً على بدء» للكتابة زكية الحجي، قرأت طرحاً رائعاً هادفاً كما اعتدناه من قلمها الدفاق، وذلك في العدد 14547، وكان عنوانه (أبناؤنا ولغة المال)، حيث تحدثتْ عن معاناة الآباء والأمهات المريرة مع أولادهم في المال والإنفاق عليهم. وتطرقت إلى ضعف الإحساس بقيمة المال لدى الأولاد وخصوصاً المراهقين، فقالتْ عنهم في مرحلة المراهقة الحساسة: (تبدأ المطالبة بالمال بشكل دائم وإصرار مستمر كونه حقاً من الحقوق التي لا تحتمل أي مجادلة أو مناقشة من الوالدين، وبالتالي فإن ما يسمى التقنين هو أمر مرفوض تماماً لديهم مهما كانت الأوضاع المادية والحالة المعيشية للأسرة). وإني لأتفق مع الكاتبة في نظرتها الصائبة فيما ذهبت إليه في مقالها المنطقي العقلاني واستقرائها لحال هذه الفئة، ولن نغفل الجانب العاطفي للأب أو لنقل للأبوين في سخائهما على أولادهما وإن قصَّرا فهما ملومان. إذ لابد على الوالدين وخصوصاً ذوي اليسر والسعة الإنفاق وبسط اليد وعدم التقتير مع توعية الولد وتذكيره بقيمة المال وأنه لم يأتِ بيسر وإنما من تعب وكدّ، ومن ثمَّ توجيه الولد لصرف المال في النافع المفيد مع الاستمتاع بما يشتريه، وعدم التشدد معه في ذلك. ولعل هذا من الوسائل التربوية المفيدة، حيث من خلاله يدرك المراهق ثقة والده فيه ويعي قيمة المال الذي وهبه إياه، وإنه إن لم يغدق الأب على ولده ويُغنيه عن الغير فإنه سيلجأ إلى طرق غير مشروعة، ويبحث عن حيل ممنوعة كي يحصل على المال فيحدث ما لا تحمد عقباه. ثم إنَّه ليس من الحكمة أن يبخل الأب على أولاده بالمال وهو قادر، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)، وقال عليه الصلاة والسلام: (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله)، ولئن يستمتع الأولاد بمال أبيهم وعلى مشهد منه وحضور في حياتهم خير وأحب من أن يجعلهم يتمنون رحيله وانتهاء حياته كي ينعموا بثروته وماله مع ما يصحب ذلك من فرقة ونزاع وقطيعة رحم إلا من رحم الله. وقد سمعت خبراً عن أحد الأثرياء الموفقين أنه قسم ثروته بين أولاده في حياته ووهبهم الثقة ووجههم لاستغلال هذا المال استغلالاً نافعاً عن طريق استثماره في مشاريع دارَّة فجعلهم تُجاراً وحمدوا هذا الصنيع لأبيهم وساروا موفقين في حياتهم، فاطمأن الأب الذي أدرك أن المال ليس غاية وإنما وسيلة، والمال عصب الحياة وليس هدفها، إذ كم من صاحب مال حرَّم نفسهأولاده لذة المال وحلاوته ظاناً أنه سيُعمَّر أو أن ماله سيصحبه في قبره! كم هو مسكين من يفعل ذلك! وقد لفت نظري سؤال مهم وجميل من الكاتبة الفاضلة يقول: (فكيف نُمَكِّنُ أبناءنا وباقتدار على كيفية التعامل مع النقود بحكمة دون الخضوع لها؟) وإجابتي عن هذا السؤال من خلال وجهة نظري الشخصية تكمن في أمور أولها: يرجع لنا كآباء وهو مصدر هذا المال أحلال أم حرام؟ فالرزق الحلال بركته كبيرة وأثره جلي واضح في العمر والصحة والأهل والولد، فكم من صاحب مال يعيش مرارة العقوق والجحود والنكران من أولاده وأُصيب جراء ذلك بأمراض مزمنة وهموم متلاحقة. الثاني: تعويد الأولاد على الصدقة منذ صغرهم كي ينشأوا عليها وتربيتهم على الإنفاق في وجوه الخير مع بيان أثرها في بركة المال الذي أنفقوه وأنه الباقي. وأعرف بعض الآباء الموفقين يربون أولادهم على الصدقة ويعطونهم الأموال لينفقوها على المحتاجين عند المساجد أو في البيوت. والثالث: تركُ حصّالة نقود في غُرفهم بغرض تعويدهم على التوفير. والرابع: إشراكه في جمعية تعاونية مع بعض أقاربه أو رفاقه والتي تقوم فكرتها على تحصيل مبلغ شهري أياً كان صغيراً أو كبيراً من كل واحد وتُعطى لأحدهم نهاية كل شهر، وقد أثبت هذا المشروع الاقتصادي المنتشر في المجتمع والتحق به العديد من الموظفين والموظفات والمعلمين والمعلمات بل والنساء والفتيات من ربات البيوت والطالبات وأثبت نجاحه وساعد الكثيرين على التوفير ومن ثمّ الاستفادة من المبلغ الموفَّر، والخامس هو الأهم والأبلغ أثراً: الدعاء للأولاد بالصلاح وللمال بالبركة. عبد الله بن سعد الغانم - تمير - سدير