حتى نفهم العمل العظيم الذي قام به الملك سلمان - حفظه الله - في عاصفة الحزم التي ردعت وكشفت أوراق إيران لا بد أن نعرف الموقع الجغرافي الذي يعد أحد الأسباب المسؤولة عن تصرفات إيران طوال تاريخها. إيران محاطة مع جميع جهاتها باستثناء الضلع الغربي (ضلعنا).. محاطة بدول شكّلت حولها طوقاً فولاذياً من السكان، والسجل القتالي يغذي الطوق خزاناً بشرياً مركزه وسط آسيا.. شعوب تميل للنزعة قتالية، واتصفت دول الطوق بالدول (الشرسة)، لا تنثني، وتكاد تلتقي مع إيران في نفس التركيبة والمكون السكاني. عاشت معها إيران صراعات عرقية وشعوبية وتنافسية طويلة. دول الطوق والدرع الحديدي التي تطوق إيران من الخارج هي: الجنوب: باكستان ومياه المحيط الهندي. الشرق: باكستان، أفغانستان وتركمنستان. الشمال: تركمنستان، أذربيجان وتركيا. أما من الغرب: فالحدود بحرية (الخليج العربي)، والبرية العراق، ومن خلف مياه الخليج الدول العربية (العراق، الكويت، السعودية، البحرين، قطر، الإمارات وعمان). من داخل الحدود الإيرانية طوق محتل وقوميات تعود في أصولها وأرضها إلى الدول المجاورة لها قوميات: البلوش، التركمان، الأكراد، الاذار، العرب، وغيرهم من قوميات عدة، التي تصل إلى (30) قومية. لذا نجد إيران منذ أزمنة تعتقد أن الجزيرة العربية حديقتها الخلفية، وهي الضلع الهش الذي تقوى على اجتياحه نتيجة تحلق دول الطوق الجدار الحديدي من حولها، دول آسيا الوسطى القابضة بقوة على إيران وجاعلتها تحت الضاغط الجغرافي والتاريخي؛ وبالتالي يبقى العرب الجار اللين متى ما ضعفوا تمددت عليهم إيران، أما إذا كانوا أقوياء فإنها تنكمش إلى داخلها. تعاقبت هذه الأدوار بين الكر والفر، حتى احتلال أمريكا للعراق عام 2003م؛ إذ اعتبرتها زمن التمدد والتهديد والابتزاز، لكن الملك سلمان الذي استوعب التاريخ الحديث والمعاصر للمنطقة، واستلهم قبل ذلك التاريخ القديم بكل صراعاته مع إيران، عقد العزم على توازن القوى والمواجهة مع إيران، ليس بالتعدي وإنما بلجم وتحجيم التمادي الإيراني حين اعتقدوا أن العرب في أضعف حالاتهم بعد أنهكهم ربيعهم العربي، فكانت مبادرة الملك سلمان في دحر الميليشيات التي حضرت لانقلاب حوثي بمساندة قوات علي صالح على الشرعية في اليمن، ثم احتلال عواصم عربية من اليمن والبحرين إلى بغداد وبيروت ودمشق. جاءت عاصفة الحزم المباركة لتكشف خطط إيران وتردعها، وتوقف طموحها، باعتبار (غرب آسيا) الحدود الأضعف أمام فولاذية دول آسيا الوسطى التي تواجهها، دحرها جعلها تواجه نفسها.. إيران المنازعات وصراع القوميات ومطالبات دول باحتلالاتها القديمة (فارس وساسان) حتى آخرها الحربان العالميتان الأولى والثانية، خاصة قوميات (البلوش، الأذار، العرب، الأكراد والتركمان). فعاصفة الحزم فرضت واقعاً إيجابياً للعرب، خسرت فيه إيران الموقف السياسي، وانجرت إلى صراع الداخل الذي كان مسكوتاً عنه.