لا شك في أن التعصب الرياضي من أبرز العيوب التي تشوه الرياضة، وللأسف الشديد فقد انتشر التعصب الرياضي في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ في معظم دول العالم ومنها بلداننا العربية. والتعصب بشكل عام هو الميل المبالغ فيه لشيء ما لدرجة كبيرة يجعل من الشخص يتحيز لما يحب لدرجة تصل إلى تجميل القبيح منه وتحويل سلبياته إلى إيجابيات في نظر الناس. وفي عالمنا الرياضي اليوم، تعاني الرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً، من تعصب الجمهور والإدارات الرياضية على حد سواء، حيث يحاول المتعصب لنادٍ أو لاعبٍ معين مثلاً التقليل من شأن المنافس أو الخصم، دون وجه حق، حتى لو كان الخصم أفضل من النادي الذي يشجعه بشهادة الجميع. إن المتتبع لأفعال وتصرفات بعض الإداريين أو اللاعبين أو الجماهير يلحظ أنهم قد انحرفوا بتلك الرياضة عن هدفها المقصود وغايتها المنشودة؛ من أنها وسيلة لتقوية الجسم وبث روح التنافس الشريف والروح الرياضية بين شباب الوطن، وجعلوها مجالاً للصراع والتنافس غير الشريف، بل وجعلوها أداة للتعصب والتصنيف المقيت، وهذا واقع مشاهد.. فقد علمنا الإسلام ما يسمى بالروح الرياضية، حيث ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التحلي بالروح الرياضية والخلق الرياضي القويم، وتقبل الهزيمة كتقبل الفوز، والاعتراف للخصم بالتفوق، وعدم غمطه حقه لئلا يُعَد ذلك نوعاً من الكِبْر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك. أخرجه أحمد في المسند 6/264. وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ، لاَ تُسْبَقُ - قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى عَرَفَهُ، فَقَالَ: حَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ. أخرجه أحمد 3/103 (12033) والبُخَارِي 4/38 (2871). إن الرياضة اليوم، إذا خلت من التعصب، فلا شك أنها تكون ذات منفعة عظيمة للأوطان وفائدة للأبدان. إن الرياضة متعة بريئة ترتقي بالنفوس وتسمو بها، ويجب أن تستغل لتُصلح وتجمع فيما بيننا، لا أن تفرق بيننا، لا ننكر أن لكل منا انتماء لنادٍ معين، وهذا أمر طبيعي في الوسط الرياضي، لكننا إخوة قبل كل شيء فلا يجوز الخصام أو الشجار من أجل مساندة فريق أو ناد، وبدلاً من أن نتابع فريقنا ونشخص واقعه، نقوم بالبحث عن أخطاء الفرق الأخرى والتصيد لها!. وعلاج ذلك هو الروح الرياضية التي تسود عالم الرياضة وهو ما يطمح له الجميع. إن من أهم أسباب التعصب الرياضي من وجهة نظري: 1 - الإعلام غير الهادف بشتى أشكاله وصوره. 2 - قلة الوعي الرياضي. 3 - الأنانية وحب الذات والتي لا تقبل استقبال النقد حتى الهادف أو الاستماع لوجهات نظر الآخرين. 4 - تقديم إساءة الظن دائما عند بعض من ينتسب للوسط الرياضي، خصوصاً إذا كانت النتائج لا تخدم فريقه المفضل.. 5 - تقديم المصلحة الخاصة لدى البعض على المصلحة العامة وهي خدمة شباب هذا الوطن الغالي ورقيهم وتنمية الروح الرياضية بينهم والتنافس الشريف ورفع علم المملكة خفاقاً خصوصاً في المحافل الدولية. أخيراً أقول: متى كانت لدينا الروح الرياضية ستظل الرياضة منهجاً ومنبراً للأخلاق والقيم والمبادئ والمثل العليا، فالرياضة صفات أخلاقية يجب التحلي بها كي يقدم كل من الرياضيين والجماهير صورة مشرقة وحضارية تنقل التطور الرياضي في بلادنا الغالية وتعكس الأخلاق الرياضية والوعي الرياضي. ولذلك ينبغي على الرياضيين عامة سواء كانوا من الجماهير أو اللاعبين أو غيرهم احترام القوانين الرياضية والمبادئ السامية للرياضة عامة. وأن يلتزم بها الرياضيون في مختلف الألعاب الرياضية، عند الفوز أو الهزيمة فلا يؤثر عليهم الفوز، ولا تثيرهم الهزيمة، وأن يتقبلوا الهزيمة بروح رياضية، وألا نصل إلى التشكيك بذمم الحكام والمسؤولين لأننا ولله الحمد مجتمع مسلم نتعامل فيما بيننا وفق تعاليم ديننا الحنيف الذي هو مرجعنا في كل شيء في الرياضة وغيرها فلنبتعد عن التشكيك في ذمم الناس. إن كرة القدم بشعبيتها وشعبية نجومها هي متعة الجماهير، ولذلك يجب على اللاعبين والرياضيين عامة القيام بتصرفاتٍ حسنة تنم عن خلق رفيع لأنهم القدوة لملايين البشر الذين يتابعونهم ويتعلقون بهم خصوصاً فئة الشباب، فإن كان الرياضي خلوقاً وروحه جميلة فإن ذلك سيؤثر إيجاباً على المتابعين والمشجعين، وستتجسد تلك الصفات الجيدة بهم عند الفوز والخسارة على حدٍ سواء, فالرياضة مجالٌ للتنافس الشريف بين الفرق المتنافسة، وتتجسد بالروح والاندفاع الكبير نحو تحقيق الألقاب واعتلاء منصات التتويج. هذا ما أحببت المشاركة به والحديث عنه، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد.