ذراعاي هزيلتان وكتفاي تؤلِماني والثمرة التي على الصخرة أثقل من أن أستطيع حملها والسير بها حتى النفق المؤدي إلى المستعمرة، درتُ حولها بكل اتجاه وتحسستها بقرنيّ استشعاري. «كيف لي بِكسرِها وهي كتلة واحدة!» حاولتُ ثقبَها بفكيّ بيد أنها قاسية جداً وصلبة، جرّبتُ دحرجتَها بأقصى ما لدي فلم تتحرك شبراً واحداً.» هل أتخلى عنها لحشرة أخرى أقوى بعد أن ظفرتُ بها؟ أأعاودُ مواصلة البحث المُضني من جديد أم أنتظر حلول معجزة تستطيعُ منحَ قوةٍ أكبر لي أو وزنٍ أقلّ لها؟ كلُّ ما عليّ هو متابعة التفكير بنيّة المحافظة على أثمن ما تمنحني إياه اللحظة الآن.». ذوت الشمس وبدأت برودة الليل تنتشر سريعاً، بينما الأسئلة المتعاقبة في ذهني تزداد حرارة وتوهجاً، ارتدتْ الأشجار من حولي حُلل السواد ولم يكن هنالك قمر يسكب ضوءه على قممها الباسقة. شممتُ رائحة مطرٍ قادم وأنذرتني السماء بوخزة هواء مشبّعة بالرذاذ، هرعتُ للاختباء تحت الصخرة وفي عُهدة الظلام تركتُ الثمرة الثقيلة بالأعلى، انهمر الماء غزيراً وبدأ بعضه يتسلل بين الصدوع الضيقة في تجاويف الصخرة، كارثية الموقف لم تصنع مني أكثر من نملة حقيرة جبانة تتشبّثُ بتعرّجات حجرٍ صلب وقد اتسعت حدقتاها وهي ترقبُ حجم القطرات التي بوسع واحدةٍ منها أن تُميتها غرقاً في الحال. بدأ دفقُ الماء يقلّ شيئاً فشيء حتى توقف عن الهطول تماماً، خطوتُ في حذر وبعينين قلقتين تأكدتُ من وجود الثمرة أعلى الصخرة، ارتسمتْ في ذهني صورةُ الطريق التّرِبْ الذي يعيدني إلى المستعمرة. «كيف لي أن أعبُره وقد أصبح موحلاً بفعل المطر، لن أغامر بالخوض داخل الماء ولا المرور به حتى تعود أرضه صلبة وجافة كما كانت. « ملأني الإحساسُ بالعجز، وأخمد اليأسُ جذوة إرادتي. «ليس المهمُ الآن أن أمتلك ساعداً قوياً لأحمل الثمرة قدْر أهميةِ أن أظفر بحياةٍ أطول قبل أن يداهمني موتٌ آخر أكثر خطورة من زحفِ المطر. «سقطتْ فوق صخرة ذهني فكرةٌ معقدة أثقل من الثمرة الساكنة بكل ضخامتها إلى جواري: «ما الحياة وأنا أنتمي إلى سُلالةِ الإناث العقيمة غير المُجنّحة. ما الحياة وبيوتنا تقبعُ إلى الأبد تحت التراب.. ما الحياة ونحن جنودٌ أزليّون لغيرنا «. صخبُ التفكير يزلزل سكوني،دفعتُ الثمرة المُبللة بأقصى ما أستطيع فتدحرجت فجأة من على الصخرة نحو الأرض وسقطتُ أنا في بِرْكة ماء ضحلة بمحاذاتها، تمسّكتُ بساق نبتةٍ قصيرة قد غمرها الماء حتى المنتصف. ناضلتُ كي أصعد نحو الأعلى، وبكل قوتي ظلّت يداي مُمسكتيْن بالساق. حركة الماء جارفة وعنيفة، لم أنثنِ عن مواصلة التسلّق، أوشكتُ على الخروج من البركة، لكن قواي خارت قبل أن ألامس السطح. « أبدو غبية وأنا مُنهكة القوى داخل بقعة ماءٍ موحلة.. أيّ القدرين سأواجه: الموت أم البقاء؟» دفعتني الرغبة في الحياة بقوةٍ نحو الأعلى، نجوت بأعجوبة وتنفست الهواء وكأنّي أستنشقه للمرة الأولى بعد فقسي من البيضة، حبوتُ فوق النبتة المقوّسة، تمددتُ وألقيتُ بأطرافي الأربعة على قمّتها لتجفّ. تأمّلتُ ما حولي، حشراتٌ كثيرة تدبّ بالقرب، القمر بدأ في البزوغ والصعود فوق رؤوس الأشجار الحالكة، نظرتُ إلى المكان الذي سقطتْ به الثمرة، لاأثر لها، أحسستُ بانهزامٍ مُرّ، بغيض يسري بداخلي وآلامٌ مُبرحة تصرخُ في أجزائي، استلقيتُ على ظهري. شعرتُ بجسمٍ غريب ملتصق بكتفيّ، نهضتُ، تحسستهما، يالالسماء! إنهما جناحان رطبان ودبِقان. «كيف خُلِقا لي وأنا مُصنّفةٌ في مملكة النمل كأنثى عقيمة ! لماذا لم يتكهّن أحد بأنّ جناحين سينبُتان كهذين؟ مرّرتُ أطرافي عليهما برفق وكأنّي أحاول تصديق حقيقةٍ من المستحيل حدوثها.» هل أطيرُ إلى المستعمرة لأعلن قداستي كملِكة خصْبة؟ « ارتختْ أطرافي وأطرقتُ في صمت.» ليعلق بي النمل وأعلق بيضَهُ؟ أهذه هي الحياة التي تنتظرني؟ لماذا لا أعيش حُرّةً مثل حشود الحشرات الأخرى؟ أهيمُ كالعصافير والفراش بين النباتات المُزهرة، وآوي في المساء إلى عُشٍ صغير بأعلى شجرة «أنزلق بصري على الطريق الموحلة ثم صعد ببطء نحو السماء، تأملتُ النجوم وهي تلتمع في الليلة الظلماء، لم أترك الوقت يطول أكثر، طرتُ بعيداً.. بعيداً، ولم أعُدْ لجُحرِ النملِ ثانيةً.