كثيراً ما نتأمل ما يقوم به النمل من ناحية سلوكه وحرصه على التعاون من أجل الجماعة. ويندر أن نرى نملة بمعزل عن رفيقاتها، أو نملة تعمل من أجل مصلحتها الذاتية فقط. ويوجد النمل في مختلف أنحاء الكرة الأرضية، ويتميز بتعاونه وترابطه الكبير. وهناك أشياء مشتركة بين النمل والبشر، ويشمل ذلك الحياة الاجتماعية، والعمل في جماعات، والتخصص في نوعية العمل، والقدرة على العمل وتحدي الصعاب. ويبني النمل أعشاشه تحت الأرض، والبعض يبنيه داخل الأشجار أو داخل النباتات المتحللة على شكل مستعمرات صغيرة أو كبيرة. وتضم مستعمرات النمل أعداداً تتراوح بين بضع عشرات إلى مئات الألوف من الأفراد. وتحوي المستعمرة ملكة واحدة أو أكثر، وعاملات وذكوراً مخصبة ذوات أجنحة. ويبدو أن في عقل النمل ذاكرة مبرمجة لتوزيع العمل وسيادة النظام داخل المستعمرة، بالإضافة إلى تكييف الحرارة والرطوبة. ويتم بناء المستعمرات بشكل يحميها من الفيضانات، ويؤمن حركة الهواء في الداخل. ويعمل النمل بتعاون كبير من أجل حياة الجماعة وحمايتها من الأعداء. وعند بناء المستعمرة تكلف بعض أعضاء النمل في البحث عن مواد لبناء المسكن، كما يوكل إلى يرقات النمل مهمة ربط مواد البناء بخيوط رقيقة. ولا يستوعب المسكن الواحد أكثر من ملكة واحدة في الغالب. وتقوم هذه الملكة التي تعيش حياة طويلة بوضع البيض الذي ينتج عنه ذكوراً وإناثاً مخصبة ومجنحة وشغالات وذكوراً عقيمة، غير مجنحة. وغالباً ما يوجد في مستعمرات النمل حشرات أخرى مثل حشرات المن، التي تعيش متكافلة مع النمل الذي يحميها ليحصل على مواد سكرية تتغذى عليها. وقد نشرت إحدى المجلات العلمية تجارب أجراها بعض الباحثين على النمل لتمييز بعض الأرقام والتفريق بين أفراده. وقد وجد الباحثون أن النمل يستطيع أن يميز أفراده، كما يمكنه أن يميز بين الأرقام من خلال تجارب دقيقة، واستبعاد حاسة الشم التي يمكن أن تؤثر على التجارب الخاصة بالطعام. إن تأمل حياة النمل وترابطه وتعاونه يمكن أن يفيد الإنسان في معرفة أسس هذا التعاون من أجل نبذ التمسك بالحياة الفردية، وإعلاء شأن التعاون بين الجميع.. فحياة النمل وسلوكه الاجتماعي يدل على أن الفرد يعمل دائماً من أجل الجماعة لمجتمع مترابط ومتماسك ضد أي عدو حاسد أو دخيل حاقد.. فهل يتعلم الإنسان بعض سلوكيات النمل وعشقه للأرض والمجتمع؟!.