يفتقد المسرحيون العرب وجود مهرجانات مسرحية كبيرة ومنظمة وفاعلة يلتقون من خلالها ويناقشون هموم المسرح العربي وسبل تطويره، هذا ما بدا لي واضحا خلال استضافتي هذا العام في مهرجان أيام الشارقة المسرحية 25. حيث تردد على مسامعي أكثر من مرة عبارة: أن مهرجان الشارقة عوض بالنسبة لديهم افتقادهم الشديد لكل من مهرجان دمشق المسرحي الذي تعود بدايات انطلاقه الأولى إلى أيار (1969) ومهرجان بغداد المسرحي الذي يعود إلى النصف الأخير من ثمانينات القرن الماضي، وجاء توقفهما نتيجة لظروف الحرب والحصار. هذا ما سمعته على لسان دانة المسرح العربي الفنانة الكويتية سعاد عبدالله أثناء تكريمها في المهرجان ونيلها جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي التي أطلقها عام 2007 عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الدكتور سلطان القاسمي تقديرا للتجارب المسرحية المتميزة واستحقتها هي هذا العام نظير ما قدمته من جهد متصل، إثراء وتطويرا للتجربة المسرحية العربية منذ انطلاقة مسيرتها الفنية في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي وحتى اللحظة الراهنة. كما ردد ذات العبارة وبصيغة مماثلة لها أيضا المسرحي المغربي عبدالحق الزروالي أثناء استعراضه فصول من تجربته المسرحية خلال مسامرة أقيمت له في ليالي المهرجان. والزروالي هو مؤلف ومخرج وممثل مسرحي وشاعر مغربي. مارس فن المسرح لأكثر من أربعة عقود. وهو عضو بلجنة التحكيم بمهرجان طنجة للمسرح. ويقدم عروضه بمسرح محمد الخامس بالرباط. وقد بدأ يخرج ويمثل ويؤلف المسرح وعمره لم يتجاوز 24سنة. وأجد أن معهم الحق في ذلك، فمن يحضر مهرجان ويرى كيف يحرص الضيوف على حضور كافة فعالياته ويضحون بأوقات راحتهم في سبيل اقتناص مزيد من الوقت للجلوس مع بعضهم البعض للتحاور وتبادل الخبرات والمعارف حتى على وجبات الطعام، يدرك أي أهمية تمثل لهم مثل هذه التظاهرات الثقافية والأثر الإيجابي الذي قد تتركه على إبداعاتهم ومشاريعهم الفنية المستقبلية. إضافة إلى خروجهم برؤى نقدية متعددة حول تقييم أعمال المهرجان المعروضة، فبالنسبة لي مثلا وأنا من خارج الوسط المسرحي حضرت مثلا عرض مسرحيتي» حرب السوس»، من إخراج فيصل الدرمكي وتأليف حميد فارس ومسرحية «غناوي بن سيف»، تأليف وإخراج عبدالله صالح الذي أشار في جلسة النقاش التي أعقبت العرض بأن المسرح الإماراتي هو في مرحلة تغيير جلده أي دخول مرحلة فنية جديدة. وقد خرجت من مشاهدة العرضين بانطباع على وجود حنين عميق نحو الماضي لدى الأشقاء الإماراتيين وميل فني للحزن والتفجع الصارخ، وإن كانت رمزية العمل الأول راقت لي أكثر من رمزية العمل الثاني ربما بسبب طغيان نمطية الحكاية الشعبية على أجواء العمل الأخير وإن بدت حكايته أكثر ترابطا وتسلسلا من حكاية العمل الأول. ورغم ذلك بدا لي من المفيد أن أستمع لرؤى فنية متباينة من متخصصين حول العملين أثناء المناقشات التي تعقب العروض والأحاديث الدائرة بين الضيوف حول التقنيات الفنية المسرحية للأعمال. مما يجعلك تخرج بتصور أكثر شمولية تجعلك تلتفت لما لم تلتفت له من قبل. فوجود قامات مسرحية عربية مثل عبدالكريم برشيد مثلا في المهرجان، لابد أن يكون له انعكاساته وتأثيراته الإيجابية وهو من نذر حياته للمسرح إبداعا ونقدا وتنظيرا، حتى عد الأب الروحي للاحتفالية في المسرح. فإلى جانب كونه مبدعا متميزا بنصوصه المسرحية ذات الطابع التجريبي قدّم برشيد التنظير على شكل بيانات أسماها «بيانات المسرح الاحتفالي»، جمعها في كتاب سمّاه «المسرح الاحتفالي»، أعقبتها كتب نقدية تحمل سمات التنظير أهمها: «الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي» و»الاحتفالية: مواقف مضادّة» و»الاحتفالية في أفق التسعينات» و»غابة الإشارات». كما كتب العديد من النصوص المسرحية التي تُرجم بعضها إلى الفرنسية وإلى الإنجليزية والإسبانية والكردية أهمها: «عنترة في المرايا المكسرة»، «الحومات»، «السرجان والميزان»، «سلف لونجة»، «الزاوية»، و»منديل الأمان»، و»حكاية العربة»، «ابن الرومي في مدن»، «الصفيح»، و»الناس والحجارة»، و»عطيل والخيل والبارود»، و»عرس الأطلس»، و»فاوست والأميرة الصلعاء»، و»امرئ القيس في باريس». ما يؤكد على أهمية وجود المهرجانات الفنية والثقافية كظاهرة حضارية، وهو ما يؤكد من جانب آخر أيضا أهمية تبني مؤسساتنا الثقافية العربية والمحلية إقامة مثل هذه المهرجانات لإشاعة روح الإبداع والفن والنهوض بجوانب الإبداع لدينا. كشف تاريخي: ولم لا يكون لدينا مهرجان مسرحي بمستوى مهرجان الشارقة؟ ونحن سباقون في تبني فن المسرح كما يؤكد ذلك الدكتور سيد علي إسماعيل أستاذ الأدب العربي الحديث (المسرح) بكلية الآداب جامعة حلوان، وعضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة المساعدين بالمجلس الأعلى للجامعات في عدد فبراير2015 من مجلة «كواليس»، فيما عده كشفا تاريخي، بأن المدينةالمنورة هي الأسبق خليجيا في عرض أول عمل مسرحي عام 1910 في الأول من جمادى الأولى سنة 1328 أي قبل ما يفوق القرن من الزمن بخمسة أعوام وذلك في عهد العثمانيين. وساق براهينه التي تؤكد ذلك بعد أن اتكأ على خبر ورد بهذا الخصوص في جريدة المؤيد المصرية مرجحا أن يكون النص الذي تم تمثيله في المدينة هو رواية «فتاة الدستور»، المطبوعة والمنشورة باللغة الفصحى في مصر عام 1908والتي مثلت في مصر عددا من المرات وأن من قام بتمثيلها في المدينةالمنورة هم شباب مدنيون أجادوا التمثيل رغم أنهم لم يسبق لهم معاناة هذا الفن من قبل وأنها كانت مسرحية جماهيرية وليست طلابية أقامتها لجنة «الاتحاد والترقي» في إحدى المدارس الصناعية فاختارت رواية تمثل حال الدولة على عهد الاستبداد وطرز الحكومة في ذلك الوقت ثم كيف أعلن الدستور في السلطنة ودخول الجمهور إليها كان على درجات ثلاث واستغرق العرض ثلاث ساعات لأنه كان عرضا خيريا بمقابل مادي.