لن تجد أكثر سلبية وتدميراً أكثر من هؤلاء الكارهين أنفسهم. ينزعون لتخفيف شعورهم بالقبح الداخلي بالعدوان والكراهية لكل جميل حولهم. إن أعطيته وردة سينظر لشوكها، وإن أمطرت في صباح غائم لعنَ الوحل. هؤلاء الذين يتفننون في افتضاض بكارة الجمال والحب والفرح والألفة والسماحة والبسمة. مثل ذبابة تمر على خميلة فلا تقع إلا على مستنقع، لأن بوصلة أرواحهم - الملوثة - لا تنجذب إلا لما يشابهها. صانع القبح هو زميل العمل المتقاعس والبليد الذي يترك الوقت ينسرب فيما هو يتقصى النقائص والعيوب ويملأ الفضاء بانتقاد كل شيء، كل شخص، كل حادثة. وهو شريك الحياة الذي يجتاز المواقف اليومية بقدر كبير من الوجوم والتصيّد وابتكار المشكلات. وهو القريب الذي ينسى حياته فيما يركز على حياة الجميع. إنه التائه الذي ضيّع انعكاس الوجود الأجمل في غَزْلِه، فلم يعد يبصر في الأفق إلا نقض غَزْل الآخرين. إنه عنصر إفشال العمل، أي فريق عمل، لأنه عاجز عن تحديد الأولويات. فهو مصاب بخلل استبصار المهم والهامشي، أو حتى غير المرئي أو الضروري للأسوياء. كأن يشير أحدهم للقمر فيشير هو لإصبعه! بهذه الكيفية المختلة تجري الأمور مع صانع القباحة. مثلما لو تفسد حبة بطاطس في بقعة نائية من المطبخ، فإنك ستعرف حتماً من انبعاث رائحتها الكريهة أن ثمة عطناً مختبئاً في مكان ما. لأن القبح كالجيفة لا يمكن إخفاء نتنها بمجرد غطاء رقيق. لذاك مهما حاول تنميق ملافظه وتقنيع ملامحه ببسمة ميتة، يبقى احتمال انبعاث رائحة القبح من أعطافه مُلّحاً ومتوقعاً. كُن في مجلس أو في برنامج تواصل، أو شبكة اجتماعية، فضاء واقعي أو سايبيري فإذا عبر أحدهم مُلقياً ظلالاً ثقيلاً على المكان، سباً أو شتماً أو انتقاصاً أو أي فعل سلبي آخر لا يهدف لإصلاح أو تنمية أو تجاوز العيوب، ليس نقداً مثمراً نحتاجه لتطوير أنفسنا أو ما نقوم به. إنما هو انتقاد أشبه ما يكون بالانتقاص، انتقاص يضمد جراحاتهم ويشعرهم أنهم ليسوا القبيحين الوحيدين! لأن النقد هو إلقاء الضوء على المناطق الموبوءة لغاية العلاج. توضيح النقص ليتم تعويضه بمثل ما يقول الشاعر: «ضدان حين اجتمعا حَسُنا والضدُّ يظهِرُ حُسنَه الضدُّ». لكن انتقاد صُنّاع القبح حالة أشبه ما تكون بمحاولة النظر عبر منظار ملوث للعالم. حالة تغذي شعور هؤلاء أن كل شيء فاسد، مثل أرواحهم تماماً. محاولة دنيئة للتشافي عن طريق التوهم أن العالم كله قبيح، كي لا تتعمق فيهم الغربة والدونية. فالنظر بالتوازي للعالم يريح النفس أكثر من الإشراف عليه من مسافة ما. تكون حينئذ الرؤية واضحة ودقيقة. وهذا ما لا يريدونه! صانع القبح مثل عصابة علي بابا التي تقول القصة إنهم وضعوا علامة «X» على كل أبواب المدينة حتى يضيع بابهم بين الأبواب. ماهرون في طبع كل شيء بعلامة «X» قبيحة. يختارون الأبواب بطريقة تجعلنا ندرك أنهم يعرفون ماذا يحاربون: الذكاء، التميّز، الجمال، الإنجاز، الفرح، الشجاعة، الانضباط وكل القيم الجمالية التي خلت صفاتهم منها. مثل رجل جفت بئره فطفق يلقي الحجارة في آبار الآخرين! مرضى يعيشون من حولنا بلباس الأصحاء. تتبينهم بسهولة من خلال الإجابة على هذا: ما الذي يشكل اهتمامهم الأول؟ وستعرف اهتمامهم حين تصل لمنطقة تدميرهم. تماماً حينما تتبين جهة طلقة رصاصة من سقوط حمامة! هكذا صانعو القبح يبحثون عن الحياة لا ليعشونها.. بل ليقتلونها في عيون الآخرين!