المتأمل لمضامين الكلمة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في يوم الثلاثاء الموافق 19-5-1436 ه في قصر اليمامة بالرياض يجد أنها اتسمت بخطة عمل واضحة. وخادم الحرمين -وفقه الله- أكد ما قامت عليه هذه البلاد منذ توحيدها على يدي جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- وذلك بالتزامها بالشريعة الإسلامية في شتى أفرع الحياة. وهذا المبدأ راسخ لا تحيد عنه المملكة العربية السعودية، بل تحرص عليه لأن الإسلام شعّ نوره وانطلق من هذا الوطن العظيم وطن الحرمين ومهبط الوحي وقبلة المسلمين. وهذا العز لا يعادله أي عز، وهذا فخر لا يعادله أي فخر، والإسلام هو عقيدة مبنية على التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك ولا بدع. {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وقوله تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}، وقوله تعالى {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. والإسلام كما هو دين عبادة هو دين تشريع وحكم في كل عناصر الحياة، ومن هنا جاء التأكيد على هذه المبدأ في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إذ قال: لقد وضعت نصب عيني مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد منذ توحيدها، تمسكاً بالشريعة الإسلامية. خادم الحرمين الملك سلمان ومن سبقه من الملوك -رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته- يستشعرون عظيم هذا المبدأ، ولذلك يأتي التأكيد عليه في كل مناسبة وخاصةً هذه المناسبة التاريخية... لأن ارتباطنا بثوابت الشريعة رفع الله به شأن هذه البلاد وأعزها به، ولمسنا من خلاله الأمن والأمان وجمع الكلمة ونبذ الفرقة ونزول الخير وتتابع البركات {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}، ({الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. الملك سلمان -وفقه الله- يحرص على هذه المكتسبات ويؤكد عليها، لأنه الخبير والمدرك لعواقب الأمور. بلادنا ستبقى قوية ومتينة ومحفوظة بحفظ الله لأننا متمسكون بشرع الله, بلادنا تطورت تطوراً مذهلاً في شتى أفرع الحياة وتعيش أمناً وأماناً لأنها تحكم بشريعة الله ولأنها تدعو إلى الله. ومما أكد عليه -حفظه الله- وهو أمرٌ في غاية الأهمية، التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع مما يضر الوحدة الوطنية، وهذا من منطلق شرعي راسخ {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. ومن منطلق {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، نعم إن اتحاد الصف وجمع الكلمة والبعد عن التعصبات بين المذاهب والأحزاب أمر في غاية الأهمية، ولذلك أكد عليه الملك في هذا الخطاب التاريخي.. {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}. يُدرك -أيّده الله- أن أعداءنا أعداء الوحدة الوطنية أكثر ما يلجؤون من باب الاختلاف, أما إذا كان المجتمع متيناً قوياً وهو ما يسعى إليه -أيد الله- فلن يفلح دعاة الفرقة إلى تحقيق مآربهم. إن خادم الحرمين وهو يؤكد في كلمته أهمية الأمن، وأنه لن يسمح لأحد أن يعبث به، ويعطي المواطن والمقيم ومن يعيش في هذا الوطن الطمأنينة، لأنه هو أساس كل بناء وتطور وتقدم في المجالات كافة، بل هو أساس الحياة السعيدة. ولهذا نعتز بقيادتنا ورجال أمننا في كل الأفرع الذين يسعون بل يجاهدون في ترجمة كلمة خادم الحرمين الشريفين واقعاً ملموساً، وهو ما نعيشه صباحاً ومساءً، فالشكر لله أولاً ثم لقيادتنا الرشيدة. إن تأكيد خادم الحرمين -وفقه الله- بقوله (إن كل مواطن فيلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي)، وتأكيده بقوله (ولا فرق بين مواطن وآخر ولا بين منطقة وأخرى)، هذا الجزء من الخطاب الملكي التاريخي يدفع ويرسخ الوحدة الوطنية التي هي من أهم الركائز لدعم التعاون والتكاتف لمسيرة البناء لوطننا الغالي. خادم الحرمين -وفقه الله- بعد بيان اهتمامه بهذه المرتكزات لا يغيب عنه أهمية الإعلام فيقول: إن للإعلام دوراً كبيراً وفق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في دعم هذه الجهود. نعم الإعلام المنضبط بتعاليم الإسلام له أهمية كبيرة في تحقيق هذه التطلعات، والإعلام المنضبط يبني ولا يهدم، وهو ما عناه -وفقه الله- بقوله: وفق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف. إنه يتطلع إلى إعلام منضبط وفق هذه التعاليم، وهي رسالة واضحة لرجال الإعلام في هذه المرحلة لترجمة هذه المضامين إلى واقعٍ ملموس. خادم الحرمين -أعانه الله- يدرك أهمية التطور والتنمية، وهو ما وعد به، لكنه لم يغفل أن تقدمنا لا بد أن يتفق مع مبادئنا الدينية، وهي سامية وواضحة، ومع هذا الموضوع يؤكد لرجالات الدولة من المسئولين وغيرهم من مضاعفة الجهود للتيسير على المواطنين والعمل على توفير سبل الراحة لهم. وأكد -وفقه الله- أمرين مهمين الصحة وتوفير السكن وكذا التعليم، وفي هذا الخطاب مدرك -حفظه الله- دور المملكة في دعمها ومساهمتها في جمع الكلمة وتوحيد الصف ضد من يتربص بها من أعدائها وخاصةً مكافحة الإرهاب، ومع ما أشرنا إليه بعاليه نختتم بالدعاء لله سبحانه أن يمده بعونه وتوفيقه لتأدية هذه الأمانة، وهذا حال المؤمن بربه ونحن جميعاً مواطنون ومقيمون ندعو الله أن يمدك يا خادم الحرمين بعونه وتوفيقه، وأن يأخذ بأيديكم لنصرة دينه وإعلاء كلمته، وأن يجعلكم من مفاتيح الخير ومغاليق الشر، وأن يجمع بكم كلمة العرب والمسلمين، وأن يجعلكم قادرين على تحقيق ما تصبون إليه.. آمين آمين آمين.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. عبدالعزيز بن صالح الحميد - رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض