جاءت مضامين خطاب الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- بمناسبة إعلان توحيد هذه البلاد تحت اسم "المملكة العربية السعودية"؛ بمثابة خارطة طريق لأهداف واستراتيجيات هذه البلاد في شؤونها الداخلية والخارجية، وما يجب أن تكون عليه. وقد تعوّد المؤسس -رحمه الله- أن يستهل كل خطاباته ومخاطباته للزعماء والقادة والعامة والخاصة بإظهار الحمد لله، والشكر له، وتعظيمه، وإجلاله، والاعتزاز بالعقيدة الإسلامية، ورسول الأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفي الوقت نفسه يقدم من خلال خطاباته أهمية النصح والتناصح بالدين، وإظهار الدعوة إلى الله -عزّ وجل- وإعلانها، كما أنّه وهو يخاطب الأمة من حوله يستشعر المسؤولية تجاههم. وجاءت كلماته في إطار مضامين خطابه، داعياً شعبه إلى الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله، ووحدة الصف والعقيدة، والدعوة إلى الله وفق تعاليم الدين الصحيحة، مستلهماً أثر ذلك في تكريس وحدة الوطن ووحدة كلمة مواطنيه، من أجل أن يتحقق لمجتمعه ما يصبو إليه من أمن وأمان، ورغد عيش. كما جاء في مضامين هذا الخطاب التاريخي رسالة إلى العالم من أنّ بلاده تستند إلى تعاليم الدين الإسلامي، وأنّه لا يوجد ما يستحق أن تجتمع عليه الأمة سوى الاجتماع على الكتاب والسنة، داعياً الجميع إلى التفقه في كتب الله الذي يمثل أعظم دستور على الأرض يمكن الرجوع إليه، وكذلك سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مؤكداً على أنّ منهاج بلاده يستمد العدالة والمعطيات التي جاءت بها العقيدة الإسلامية الصحيحة، داعياً إلى الاتفاق والاتحاد على تلك المبادئ السامية. الملك عبدالعزيز صنع معجزة تاريخية بتوحيد وطنه والقضاء على الفرقة والجهل الأولوية للأمن وقال "د.يوسف الرميح" -أستاذ علم الجريمة والإجرام بجامعة القصيم- "لابد من معرفة أنّ الشعوب تحتاج إلى التنمية، وهي مقياس تقدم الشعوب أو تأخرها، ولا تكون التنمية إلاّ بالأمن، ذلك أنّ الأمن هو المحرك الأساس لعملية التنمية الشاملة، ومن المقصود بالتنمية التعليم، والصحة، والمعرفة، ومجالات العمل، والااتصالات، والمواصلات، ووسائل النقل، وغيرها من مظاهر التنمية المتعددة، وكل هذه المعطيات سوف تتوقف وتتعطل مع فقد نعمة الأمن والاستقرار، ولذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى قدّم الأمن على الكفر والشرك وهو أعظم ذنب يعصى به الله، عندما قال إبراهيم عليه السلام: (ربي اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)؛ لأنّه لا تتم أمور الدنيا والآخرة إلاّ بالأمن، فعندما يفتقد الأمن لا يستطيع الإنسان أن يؤدي عمله الدنيوي ولا عبادته، ولذلك نص الملك المؤسس -رحمه الله- على أن ترتبط التنمية الشاملة بالأمن ليسيرا جنباً إلى جنب، فمع تطور المواطن في هذه البلاد المباركة بكل مقومات ومقدرات حياته يكون أيضاً آمناً في معيشته، لا يخاف إلاّ الله؛ لأنّه عند اضطراب الأمن لن يكون هناك مؤسسات تربوية، أو صحية، أو ثقافية، أو أي من أوجه الخدمات، والدليل على ذلك الواقع المعاش حالياً، فالدول بجوارنا شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً تملك من الثروات والقدرات البشرية الكثير، ولكنها عندما اهتز الأمن لديها واضطرب لم تشفع لها ثرواتها، ولا كوادرها البشرية، وأصبحت في فتن وقلاقل لا أول لها ولا آخر، كل ذلك بسبب فقدان الأمن والاستقرار، ولذلك كانت مضامين خطاب الملك المؤسس -رحمه الله- بمناسبة توحيد البلاد تنص على أهمية الأمن والأمان؛ للحفاظ على هذه العناصر التنموية الهامة في حياة المواطن والمقيم على ثرى هذه الأرض الطاهرة". الملك عبدالعزيز معلناً تاريخ توحيد المملكة في 21 جمادى الأولى 1351ه التمسك بالشريعة وأضاف "د.الرميح": "لقد أسس هذه الخطاب على أنّ هذه البلاد المباركة تعتمد على التمسك بالشريعة الإسلامية في كل مناحي الحياة، وأنّ أمنها، واستقرارها، ورفاهيتها، ورغد عيشها إنما هو نتاج لتطبيق هذه البلاد المباركة لشريعة الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل مناحي الحياة صغيرها وكبيرها، وأنّ الشرع المطهر سوف يطبق على الجميع كبيراً أو صغيراً، وهذا ما أدى إلى انتشار الأمن والاستقرار في هذه البلاد، وما يُفهم من خطاب الملك المؤسس -رحمه الله- أنّ هذه البلاد ستدوم بخير وعز ورفاهية وقوة ما دامت متمسكة بشريعة الله وسنة نبيه، وهذا ما هو حاصل اليوم مع جميع ولاة أمر هذه البلاد من تطبيق للشريعة الإسلامية، وتطبيق للشرع الحنيف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مناحي الحياة، وبلادنا تتشرف -كما جاء في خطابات المؤسس- بأن تكون حامية للحرمين الشريفين وخادمة للحاج والمعتمر، ولذلك يتشرف ولي أمر هذه البلاد باسم خادم الحرمين الشريفين؛ لقدسية هذه الأماكن في العالم كله، وخدمة الحرمين الشريفين من أهم أمورها أمن الحاج والمعتمر، فلا معنى أبداً لوفرة الغذاء والشراب والمسكن إذا فقد الأمن؛ لأنّ الحاج ببساطة في حال فقده للأمن كما هو حاصل قبل تأسيس المملكة فلن يؤدي الحاج مناسكة براحة وطمأنينة وعلى الوجه الأكمل، فمن أعظم حسنات المؤسس -رحمه الله- والذي سار عليه أبناؤه ملوك هذه البلاد المباركة هي توفير الأمن والاستقرار والطمأنينة للحاج والمعتمر، فتغير حال الحج من خوف وفوضى إلى أمن واستقرار، يعيشه اليوم كل قاصد لبيت الله الحرام ومسجد رسوله -صلى الله عليه وسلم-".. مساندة القضايا وأشار "د.الرميح" إلى أنّ من أهم مميزات الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وفكره الإستراتيجي والسياسي ما عبّر عنه في خطابه من خلال بعده عن المهاترات السياسية، والتدخل في شؤون الآخرين، كتلك التي تؤدي إلى نشوء النزاع الذي تذهب ضحيته الأنفس البريئة واستنزاف ثروات البلاد؛ مما يؤدي إلى توقف عجلة التنمية البشرية، بل إنّ الملك عبدالعزيز أكّد على العلاقات السياسية الدولية القائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، مبيّناً أنّ الملك عبدالعزيز أكّد في خطابه التاريخي على نصرة قضايا الإسلام والمسلمين وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والاهتمام بموضوع الأقليات المسلمة حول العالم، من خلال رعايتها، ومساندتها، وأن يكون لها صوتها المسموع، موضحاً أنّ الملك المؤسس لم يكن فقط قائد وطن، بل كان قائد أمة، حيث انتصرت وقويت به أمة الإسلام والعروبة، إذ إنّه انتشل الجزيرة العربية -بعون الله وتوفيقه- بعدما كانت مشتتة وفقيرة ومضطربة، وتسودها أكثر من(43) سلطة حاكمة، حتى "الرياض" وما حولها كان يحكمها قبل المؤسس(16) حاكماً، وكانوا يفرضون الضرائب والأتاوات على الناس، فوفق الله الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لتوحيد هذه البلاد المباركة تحت راية واحدة، وتحولت من شتات وفرقة وعداوات إلى دولة عصرية كبيرة مرهوبة الجانب، يفخر بها كل محب، وتغيض كل كاره وحاقد، فرحم الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود الذي جاهد وتعب وسهر ليصنع لنا بعون الله وتوفيقه دولة ووطناً نرفع به رؤوسنا بين الأمم، يؤوي أكثر من (7.000.000) شخص من جميع أقطار العالم للعمل فيه، وبفضل الله تحولت هذه البلاد إلى جنة للجميع، فالمحظوظ من يأتي إليها للحج أو للعمرة أو للعمل أو الزيارة. الملك عبدالعزيز شدد في خطاباته على ضرورة الوحدة والتمسك بالعقيدة الصحيحة مسؤولية الوطن وكشف "د.الرميح" أنّ ما بناه الملك المؤسس -رحمه الله- في هذا الخطاب البليغ هو ما انتهجته دولتنا المباركة إلى اليوم، مضيفاً: "هذا ما يجعل المسؤولية كبيرة وعظيمة علينا جميعاً للحفاظ على أمن هذا الوطن الغالي واستقراره، وأن يكون كلٌ منا جندياً لهذا الوطن على اختلاف مشاربنا، يجمعنا حب وطننا والدفاع عنه، فوطننا أمانة في أعناقنا جميعاً، فكما وحّده الملك عبدالعزيز بمساعدة من رجاله المخلصين، فيجب أن نكون مثلهم في حماية أمن هذا الوطن من الشرور الخارجية والداخلية، والابتعاد عن الحوادث الأمنية، كالإرهاب، والفكر الضال، والتكفير، والبعد كذلك عن منغصات الأمن العام، كالمظاهرات، والاعتصامات، وأن تكون مضامين خطاب الملك المؤسس نبراساً لنا جميعاً مواطنين ومقيمين من أجل هذا الوطن الغالي. السياسة الخارجية وبيّن "د.إبراهيم المشيقح" -الأستاذ بجامعة القصيم- أنّ الملك المؤسس -رحمه الله- كان لديه بُعد نظر فيما يخص النواحي المحلية بشقيها، الاجتماعي والتنموي، والعلاقات السياسية مع من حولنا من البلاد، حيث نستشف ذلك من خلال خطاباته، وتحديداً من إعلان الوحدة، حينما أشار إلى أنّ صناعة الإنسان تمثّل لديه أهم من كل شيء، لذا اهتم -رحمه الله- بكل جوانب التنمية رغم أنّها كانت في ذلك الوقت بسيطة، إلاّ أنّه -رحمه الله- كان يؤسس لها ويريد أن تتكئ على قاعدة صلبة، فأبان من خلال هذا الخطاب سياسته واهتمامه بجميع شؤون البلاد الداخلية والخارجية. أهمية التعليم وأوضح "د.المشيقح" أنّ المؤسس -رحمه الله- كان حريصاً أيضاً على التعليم بصفة خاصة، فكان يدرك أنّه أساس بناء المجتمع، ونلمس ذلك أنه حينما دخل مكةالمكرمة سنة 1343ه، والتي لم يكن فيها سوى أربع مدارس أغلبها باللغة التركية، ولكن الملك عبدالعزيز استطاع أن يوسع من عدد هذه المدارس في "مكة" و"جدة"، وعدد من مدن المملكة في فترة وجيزة، وعلى أسس تنطلق من العقيدة الإسلامية السمحة، وعلى الرغم من أنّ المجتمع في تلك الفترة لا يشجع أن تُطرح عدد من المدارس، إلاّ أنّ الملك عبدالعزيز تعامل معها بكل همة وحزم، فاستطاع أن ينشئ عشر مدارس، من بينها مدرسة في "بريدة"، ومدرسة في "عنيزة"، ومدرسة في "الأحساء"، وفي عدد من المدن الأخرى، وهذا الجهد يأتي انسجاماً مع مضامين خطابه في الشأن المحلي، الذي أدرك أنّ هذا المجتمع عليه أن يتفهم دينه وعقيدته السمحة من خلال الكتب والمراجع الصحيحة. الأمن الشامل ولفت "د.المشيقح" إلى أنّ الأمن كان هاجس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في خطابه، ومن ذلك فقد استطاع أن يبسط الأمن في الجزيرة العربية، وقد ذكر عدد من المؤرخين ومن حجاج بيت الله الحرام أنّهم لم يطمئنوا على أنفسهم وأموالهم إلاّ في مجيء عهد الملك عبدالعزيز، وهذا تأكيداً لما لمسناه من خطابه، إذ إنّ الأمن والتعليم الذي كان يؤكد عليه يسيران مع بعضهما البعض صعوداً وهبوطاً، فلا يمكن أن يتحقق التعليم بدون أمن، مضيفاً: "هناك نظرات صائبة وبعيدة أدركها الملك عبدالعزيز نستشفها من هذا الخطاب، وهي أهمية وحدة الكلمة، وأنّ المجتمع مهما كان فيه من الرقي والتقدم لا قيمة له بدون تلك الوحدة، التي تقود إلى وحدة عقيدته ووطنه، وهذا ما نلمسه اليوم من أهمية توحيد الكلمة وتوحيد الصف، في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها عالمنا العربي". د.إبراهيم المشيقح د.يوسف الرميح