مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    صينيون يطوّرون نموذج ذكاء اصطناعي لأغراض عسكرية    دبي.. رسالة «واتساب» تقود امرأة إلى المحاكمة    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    "الأرصاد": أمطار على منطقة المدينة المنورة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    جمعية البر بالجنينة في زيارة ل "بر أبها"    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    ضمك يتعادل إيجابياً مع الرياض في دوري روشن للمحترفين    الخليج يتغلب على الرائد برباعية في دوري روشن للمحترفين    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة كسوة الشتاء    تن هاج يشكر جماهير مانشستر يونايتد بعد إقالته    الهلال يكتب رقم جديد في تاريخ كرة القدم السعودية    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    سعدون حمود للقدساويين: لا تنسوا أهدافي    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    ضبط إثيوبي في جازان لترويجه (3,742) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    الدفاع المدني: استمرار الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى الاثنين القادم    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    وكيل إمارة الرياض يحضر حفل سفارة جمهورية كوريا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    المملكة تحقق المرتبة 12 عالميًا في إنفاق السياح الدوليين للعام 2023    مجلس السلامة والصحة المهنية يؤكد عدم صحة ما تم تداوله حول ظروف العمل بالمملكة    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    مدير متوسطة حي الروضة بجازان يكرم الطلاب المشاركين في معرض إبداع جازان 2025    عن نشر الكتاب: شؤون وشجون    نقص الصوديوم في الدم يزداد مع ارتفاع الحرارة    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    الدفاع المدني يحذر من المجازفة بعبور الأودية أثناء هطول الأمطار    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    الأنساق التاريخية والثقافية    نورا سليمان.. أيقونة سعودية في عالم الموضة العالمية    رحلة في عقل الناخب الأميركي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    عن فخ نجومية المثقف    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة الأسرة في الأمن الفكري تحصين للناشئة من أفكار الغلو والتطرف
داعيات وأكاديميات ومتخصصات في العلوم الشرعية ل«الجزيرة» (1-2)
نشر في الجزيرة يوم 27 - 02 - 2015

حذرت داعيات وأكاديميات متخصصات في العلوم الشرعية من أن يكون هذا الجيل لقمة سائغة تتلقفه مصائد الأفكار وأشرار الليل والنهار، المتوافرون في أجهزتهم الذكية، ونبهن إلى خطورة تلوث أفكار الأسرة بمبادئ وافدة، ومناهج دخيلة ومنحرفة تخلق فيها الخوف المعنوي الذي يهدد كيانها، ويقضي على مقومات بقائها، مؤكدات أن الأمن الفكري أخطر أنواع الأمن، وأكثرها صلة وثيقة بهوية الأمة وشخصيتها الحضارية، وهو لب الأمن وركيزته الكبرى، وأن السبيل الوحيد لينال المجتمع الأمن هو في اتباع أحكام الشريعة الإسلامية. وعرجت الأكاديميات على خطورة الأفكار المتشددة على الأسرة والمجتمع، طارحات الحلول المناسبة التي تساعد الأسرة على تحقيق الأمن الفكري لأفرادها..كما جاء في سياق هذا التحقيق.
حالة مرضية
بداية تؤكد الدكتورة وفاء بنت عبدالله الزعاقي، الأستاذة المساعدة بقسم الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود، على أن الأمن الفكري، مطلب مهم لتحقيق الأمن الشامل للمجتمع. والمرأة تمثل مقوماً أساسياً من مقومات تحقيق الأمن الفكري، ولها نصيب فيه من خلال عدد من المناشط. وتجمل الدكتورة وفاء الزعاقي هذه المناشط في إعداد الحقائب التدريبية في تعليم التفكير الوسطي ووسائل تطبيقه، وإعداد الدورات التدريبية في الوسط النسائي بقصد إكساب المتدربات مهارة التفكير الوسطي، وإعداد الندوات والمحاضرات لنشر ثقافة الأمن الفكري لدى المرأة، وعقد حلقات النقاش النسائية لاكتشاف مؤشرات التطرف الفكري لدى الأبناء، وإعداد حملات قيمية لنشر قيم الأمن الفكري بين النساء، وسبل تفعيلها داخل الأسرة، وإعداد الدراسات الميدانية للتعرف على مدى وعي المرأة بمهددات الأمن الفكري، وتصميم مقياس لقياس مستوى التطرف الفكري بين الفتيات، ونشر ثقافة الحوار بين النساء باعتباره من أهم الوسائل لحماية الأبناء من التطرف الفكري، ومعالجته في وقت مبكر عند ظهور علاماته، ومشاركة المرأة في المؤتمرات والندوات المتعلقة بالأمن الفكري، وإيجاد نخبة من المتخصصات في الأمن الفكري للإسهام بشكل مباشر في توعية المنحرفات فكرياً، وتصحيح المفاهيم لديهن؛ لضمان تمتعهن بفكرآمن، وحث الباحثات والأكاديميات على إعداد الدراسات المتعلقة بالأمن الفكري، وتثقيف المرأة بفن التعامل مع التقنية ووسائل الاتصال الحديثة بما يحقق لديهن الأمن الفكري، ويحميهن من مهدداته.
وتختتم الدكتورة وفاء الزعاقي حديثها بالقول: إن الغلو والتشدد والتطرف الفكري حالة مرضية يمكن أن يمر بها أحد أفراد الأسرة، وللمرأة قدرة على اكتشافها مبكراً، ومعالجتها متى ما امتلكت العلم الشرعي، والثقافة الأمنية والمهارات السلوكية والتربوية اللازمة.
البذل والعطاء
من جانبها تقول الدكتورة ابتسام بنت بدر الجابري أستاذة التفسير وعلوم القرآن الكريم بجامعة أم القرى: إنه عندما نريد الوصول إلى ما نريد تحقيقه، لا بد من توضيح الصورة الحقيقية له، وأمر الأمن الفكري ضرورة ملحة، وقد وجه الله في كتابه إلى كل ما يدرأ الزيغ والزيف الذي قد يصيب الفكر، سواء أكان عن طريق شهوة أو شبهة، وكذا عالج نبينا -صلى الله عليه وسلم - في ضوء سنته هذه القضية نظرياً وعملياً. وبما أن الكلمة في عصرنا هذا صار لها صدى يصل في ثوانٍ معدودة ؛ بل قد يكون في ذات الثانية، فإن هذه الكلمة قد تحمل أشد أنواع الباطل، وأسوأ صور الفاحشة، وقد تتعدى آثارها كل الحدود، فتؤثر في عقيدة صاحبها إلحاداً، أو تكون سبباً في سفك دم بريء، أو في تهمة تطال عقيدة أو عرض مسلم مسالم، أو تصبح دافعاً للاختلاف المذموم، أو الضغائن والأحقاد بين المسلمين، أو مثاراً للصد عن الخير وأهله، وذم العلماء والأئمة.
وتضيف الدكتورة ابتسام الجابري: عندما نقول: نريد وسطية لا نريد غلواً وإفراطاً، كذلك لا ندعو للتفريط والتقصير الذي أصبح وجهة لمن وجد له في هذه الدعوى سبيلاً للسوء والبدعة والإلحاد والرذيلة، كل في ذلك حسب ما يبتغيه من دعوته التي غلفها بشعار الوسطية، التي تعني الاستقامة، وهي أن يكون العبد على منهاج الحق دون غلو أو إفراط ودون تقصير أو تفريط، كما أن الوسطية تسير وفق نهج الله الذي ذكره في كتابه:
{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}(6 -7) سورة الفاتحة
تلك الاستقامة التي يسألها العبد ربه في كل ركعة يصليها، وفي كل وقت من نهار أو ليل.
وتؤكد الدكتورة الجابري على أن الأمن الفكري ضرورة تحتاج منا جميعا البذل والعطاء، ويتحمل أهل العلم وطلبته والمربون جزءاً كبيراً من هذه الأمانة، وكلنا راع ومسؤول عن رعيته، والقرآن الكريم في منهجه حث على إعمال الفكر فيما يقرب العبد من ربه، وفيما هو سبب لحفظ الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ومتى تم توجيه الشباب للقرآن والسنة، واستشعروا رقابة الله عليهم ومعيته لهم وعلمه بحالهم، وانشغلوا بالطاعة وانصرفوا عن تضييع الأوقات فيما لا نفع فيه، وعلموا أن لهم في حياتهم مهمة، وليس ثمة زمن يعيشه العبد في الغواية، وأن الأرض لابد لها من عمارة، وهو إحدى لبناتها. ومتى فقه العبد هذا، حافظ على فكره؛ بل وراعى حتى أمر خواطره قبل أن تصبح أفكاراً، ثم أفعالا.
برامج مفيدة
أما الدكتورة زينب بنت عبدالرحمن الدخيل، أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، فتشير إلى أن للداعيات والأكاديميات والمتخصصات في العلوم الشرعية رسالة كبيرة في غرس المفاهيم الشرعية الصحيحة لأغلب شرائح المجتمع خصوصاً في ظل الخصخصة الإعلامية التي لا تخرج عن كونها برامج ترفيهية أو طبية أو غذائية أو فتاوى اجتماعية أسرية، مع قلة قليلة في عرض القضايا الفكرية، وغاب أو يكاد يغيب عن أذهان القائمين على الإعلام، أهمية البرامج التي تحمي-بإذن الله-الفكر من الانحراف عن مساره الصحيح، ويجب أن تكون هناك برامج تحصن أفكار الناشئة من الانزلاق نحو منحدرات خطيرة إما باتجاه الغلو والتشدد، أو باتجاه التطرف والإلحاد الفكري.
وتبيّن الدكتورة زينب الدخيل أن أهم البرامج المفيدة في هذا الجانب للأسرة المسلمة هي البرامج الإيمانية التي يُركز فيها على زرع مخافة الله في القلوب من قبل الوالدين لأبنائهم وبناتهم، وحثهم على مراقبة الله سراً وعلانية مع الموازنة بين الترغيب والترهيب عند عرض أي قضية شرعية، إلى جانب البرامج الثقافية الحوارية التطبيقية التي يتناول فيها الحوار مع الناشئة الحدود المشروعة، وقطع أي جدل يصل بالفرد إلى التمادي، أو تجاوز الحد المسموح له شرعاً أو عرفاً أو أدباً، وعمل دورات مهارية تبين كيفية متابعة الأبناء والبنات في سني أعمارهم، وملاحظة أي تغير يطرأ عليهم من أفكار ضالة أو متشددة، ومحاولة التقرب منهم لمعرفة سبب هذه الأفكار، والمبادرة إلى معالجتها بالحكمة الحسنة، وإعطائهم الوقاية الكافية ضد أي انحرافات قادمة، والتنسيق لصنع برامج قصصية مسموعة أو مرئية تعرض على شاشات الإعلام التقليدي أو في مواقع الإعلام الجديد مثل: يوتيوب، أو ساونت كلاود، تتكلم بلغة الشباب ، وترمي إلى الاقتداء بمن فاز ونجا من السابقين، وأخذ العبرة بمن هلك وسقط في وحل الأفكار الهدامة.
وأوضحت الدكتورة الدخيل أن مساهمة المرأة المسلمة في هذا المجال نابع من قناعتها بأنها صمام الأمان لهذه الأمة الإسلامية فمتى صلحت صلح المجتمع المسلم بأسره، وكل امرأة مسلمة على ثغر من الثغور، فعليها أن تدلي بدلوها في الحفاظ على مجتمعها الخاص أو العام من حيث الحصانة الفكرية والتربية الأصيلة، ولو بطرق ووسائل يسيرة غير متكلفة، فما عليها إلا الاعتماد على الله-تعالى ثم الثقة بما لديها من قدرات وإمكانات صالحة لحماية الناشئة من الغلو والتشدد من جانب، والتطرف والإلحاد الفكري من جانب آخر، وحرصها-مهما كان عملها أو سنها-على تطوير ذاتها، بحيث تواكب كل جديد ومفيد لها ولأسرتها، بل ولمجتمعها المسلم في حدود الثوابت والمسلمات دون مبالغة أو مباهاة، وقياسها العقلي بكل ما تكتبه أو تنشره في مواقع التواصل الاجتماعي، وتذكرها بأن ذلك سيكون في صحائف أعمالها يوم القيامة.
مصدر التلقي
وتؤكد الدكتورة أمل بنت سليمان الموسى، أستاذة العقيدة والمذاهب المعاصرة المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، أن الأمن حاجة إنسانية، وضرورة بشرية، وغريزة فطرية، لا تتحقق السعادة بدونه، ولا يدوم الاستقرار مع فقده. وقالت: الأمن بأنواعه العديدة-سواء كان أمناً فكرياً، أو أمناً اقتصادياً، أو أمناً نفسياً، أو أمناً ثقافياً، أو أمناً غذائياً، أو غيره من أنواع الأمن-هو مطلب رئيس لكل أمة من الأمم؛ إذ الأمن ركيزة استقرار تلك الأمم، وأساس أمنها واطمئنانها، إلا أن هناك نوعاً يعد من أهم أنواعه، بل ومن أخطرها، وبمثابة الرأس من الجسد؛ لما له من الصلة الوثيقة بهوية الأمة وشخصيتها الحضارية، وهو لب الأمن وركيزته الكبرى، ذلكم هو الأمن الفكري؛ فإن الناس إذا اطمأنوا على ما عندهم من الأصول والثوابت، وأمنوا على ما لديهم من قيم ومثل ومبادئ تحقق لهم الأمن في أسمى صوره، وإذا تلوثت أفكارهم بمبادئ وافدة، ومناهج دخيلة وأفكار منحرفة وثقافات مستوردة، فقد حل بينهم الخوف المعنوي الذي يهدد كيانهم، ويقضي على مقومات بقائهم. وأشارت الدكتورة أمل الموسى إلى أن الباحث يستطيع أن يلاحظ صيانة الإسلام للأمن الفكري داخل المجتمع المسلم، وذلك عن طريق توحيد مصدر التلقي في العقائد والعبادات والقضايا الكبرى في حياة المسلمين, كذلك النهي عن الابتداع في الدين؛ لأن الأمن الفكري يضطرب إذا انتشرت البدع والخرافات، التي مردها إلى استحسان العقول، ولا اتباع فيها للنصوص، ومن هنا فإن بدعة الخوارج في التكفير لمرتكب الكبيرة تناقض بدعة المرجئة في اعتبار صاحب الكبيرة كامل الإيمان، وكلا طرفَيْ قَصْدِ الأمور ذميم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أخرجه البخاري، وقال: «إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» أخرجه أحمد وأبو داود.
وكذلك تحريم الإفتاء بغير علم، قال الله - تعالى-:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ } (176) سورة النساء، وقال-عز من قائل-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل، فالفتوى توقيع من المفتي بالحكم الشرعي في قضية ما، وتوسيع دائرة الفتيا لتشمل مَنْ لم يتأهل للفتوى ، يوقع المجتمع في الفوضى الفكرية في مواجهة سيل الفتاوى، ولقد أشار الدكتور عبدالرحمن السديس في إحدى خطبه إلى أنّ الحاجة ماسّة إلى التذكير بقضيّة الأمنِ الفكريّ، ولاسيما في هذا العصرِ الذي هبَّت فيه رياحُ الجنوحِ عن منهجِ الوسطيّة والاعتدال، وتعدَّدت فيه أسبابُ الانحراف ووسائلُ الانحلال، خاصّةً في تلك الحقبةِ العصيبة والمنعَطف الخطير الذي تمرّ به مجتمعاتُنا وأمّتُنا، ويُكادُ فيه لأجيالِنا، ناشئتِنا وشبابنا، مما يحتِّم المسؤوليةَ العظمى على جميع شرائحِ المجتمع وأطيافِ الأمّة في الحفاظِ على أمنِ الأمة الفكرِي.
وناشدت الدكتورة أمل الموسى الجهات المعنية بتحقيق الأمن الفكري، وجعله واقعاً ملموساً من خلال الإستراتيجية والخطط التنفيذية المختلفة المتمثلة في السلطات التنظيمية والقضائية والتنفيذية، كل في مجال تخصصه؛ لتشمل جميع الوزارات والأجهزة الحكومية والأهلية والمؤسسات التربوية دون استثناء، وبالأخص الأسرة إذ هي النواة الأولى للمجتمع، والأساس الاجتماعي في تشكيل وبناء شخصيات أفراده، فقوة الأسرة هي قوة للمجتمع، وضعفها ضعف له، وإن الأمن والأسرة يكمل أحدهم الآخر، وذلك أنه لاحياة للأسرة إلا باستتباب الأمن، ولا يمكن للأمن أن يتحقق إلا في بيئة أسرية مترابطة، وجو اجتماعي يسوده التعاطف والتآلف، كل ذلك ضمن عقيدة إيمانية راسخة، واتباع منهج نبوي سديد، هذا الإيمان هو الكفيل بتحقيق الأمن الشامل والدائم، الذي يحمي المجتمع من المخاوف، ويبعده عن الانحراف، وارتكاب الجرائم، وإن هذا الهدف لا يتحقق إلا في ظل أسرة واعية تحقق في أبنائها الأمن النفسي، والجسدي، والغذائي والعقدي، والاقتصادي، والصحي بما يشبع حاجاتهم النفسية، التي ستنعكس بالرغبة الأكيدة في بث الطمأنينة في كيان المجتمع كله، وهذا ما سيعود على الجميع بالخير الوفير.
لذا فإن الحديث عن المرأة هو حديث يتعلق بأهم أركان المجتمع البشري؛ إذ إنها نصفه، وتلد نصفه الآخر الذي هو الرجل، فتكون بذلك هي المجتمع كله، هي الدرة المصونة، واللؤلؤة المكنونة، جعل لها الإسلام حق البر والرحمة، أماً وفضلها بثلاثة حقوق، هي مربية الأجيال، وصانعة الأبطال، بصلاحها تصلح الأمة، بل وتتصدر قيادة إصلاح الأمم الأخرى، وبفسادها يفسد كل شيء، ويبقى المجتمع في آخر الركب.
إسهام المرأة
وتلخص الدكتورة أمل الموسى مساهمة المرأة المسلمة في تحقيق الأمن الفكري لجعله ركيزة في المجتمع المسلم في النقاط التالية:
* تربية أفراد الأسرة على الإيمان بالله-تعالى-: فصيانة التوحيد من أي خلل من أول الواجبات في الأمن الفكري، إذ هو رأس الأمر وعموده، وبه يستطيع الإنسان المسلم التميز الحضاري عن غيره، وهو الحصن الحصين لكل فرد؛ إذ يحفظه من الانحراف، ويستلهم منه مكانته ورسالته.
* التأكيد على أهمية تحديد مصادر التلقي الصحيحة، وبيانها ونشرها في محيط الأسرة، مع تعظيم النصوص الشرعية والوقوف عندها، وصحة فهمها، والتحذير من غيرها، والتنبيه على خطرها، بضرب الأمثلة، وتصويرها من واقع حياة الناس، فمثلاً: الإرهاب هو نتيجة لانحراف التفكير المبني على مصادر خاطئة في التلقي.
* ضرورة تأكيد مبدأ التسامح، والوسطية في الأمر كله، من خلال التربية لأفراد الأسرة ، وغرس مفاهيم النصوص الشرعية الكثيرة، الداعية إلى الوسطية، والاعتدال، وكذلك نشر وبيان النصوص التي توضح أن الغلو مرفوض شرعاً، وأنه لا خير فيه أبداً، بل هو باب من أبواب الشيطان التي يدخل منها إلى عقل الإنسان؛ ليهدم تفكيره، ويضله عن الصراط المستقيم.
* البيان الواضح للأبناء بأن الحق أحق أن يتبع، وأن التعصب يتعارض مع الإخلاص لله-تعالى-، الذي يقتضي التجرد من كل هوى، وميل، ومحبة، وألا يبقى في القلب إلا محبة الله-تعالى-، والبحث عن رضاه وحده.
* ترسيخ ثقافة أهمية الشورى، والعمل بها، فعندما يستمع الفرد للآخرين ولآرائهم، يعرف خطأه، وأن الحق في الرأي الآخر.
* إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه في كل مناسبة تمر بها الأسرة، وترسيخ الانتماء لدى الأبناء لهذا الدين الوسط، وإشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية، وهذا يعني الثبات على المنهج الحق، وعدم التحول عنه يمنة أو يسرة ، وعدم نصرة طرف الغلو والإفراط، أو طرف الجفاء والتفريط في صراعهما المستمر.
* تعريفهم الدائم بالأفكار المنحرفة وأخطائها، وتحصينهم قبل وصولها إليهم منمقة مزخرفة فيتأثرون بها؛ لأن الفكر الهدام ينتقل بسرعة كبيرة جداًّ، ولا مجال لحجبه عن الناس.
* إتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد في داخل المجتمع الواحد، وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع؛ لأن البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة سرية غير موجهة ولا رشيدة مما يؤدي في النهاية إلى الإخلال بأمن المجتمع.
* تجنب الأساليب غير المجدية: فالمصاب بهذا المرض لا يعالج بالتركيز على الوعظ والتخويف من عقاب الله، فهذا الأسلوب في الغالب لا يجدي معهم؛ لأن أمثال هؤلاء يرون أنهم على صواب ودين، فكيف تعظ إنساناً يظن أنه على الدين الحق ؟! ، ولا يعالج المصاب بهذا المرض بالتركيز على التهديد والوعيد؛ لأن أمثال هؤلاء يرون أنهم يتقربون إلى الله بما يصيبهم من الأذى والنكال، ومثل هذه الأساليب تستنزف الكثير من الجهد والوقت، وقد تكون ثمرتها محدودة في العلاج.
* تنمية حب المواطنة وتربية الفرد على الطاعة للسلطة الإسلامية، فإن من أهم مسؤوليات التربية هي تنمية حب المواطنة لدى كل فرد في الأسرة و المجتمع، وإيجاد روح الألفة والمحبة بينهم حتى تحصل معاني الأخوة الإسلامية، وتختفي معالم التنافر والبغضاء، كما أن على التربية أن تهدف إلى تنمية السمع والطاعة للسلطة الدينية والدنيوية في نفوس الناشئة، وتربيهم على تقبل ذلك حتى تتعود هذه النفوس الانقياد لتعاليم الشرع والسمع والطاعة لله أولاً، ثم لولاة الأمر فيما فيه طاعة الله-تعالى-لا معصيته، على أن تكون هذه الطاعة مصبوغة بمعاني العزة والكرامة والولاء لله ولرسوله، ثم لولاة الأمر من المسلمين.
* أن تجتهد المرأة المسلمة في طلب العلم النافع، ففاقد الشيء لا يعطيه؛ لذا فإن من أهم روافد الأمن الفكري، ووسائل تحقيقه هو التزود بالعلوم الإيمانية التي ترشد إلى طريق الهداية الذي جاء به القرآن الكريم, وتدعو إلى الوعي الفكري الناضج وسلوك الطريق القويم, ومن القضايا المنهجية المهمة في هذا المجال: أخذ العلم من العلماء الربانيين؛ لأنهم صمام الأمن الفكري، فبحسن توجيههم وبيانهم يتحقق الفهم الصحيح، ولاسيما في القضايا المستجدة، والنوازل المعاصرة, قال-تعالى-: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء.
* أن تدرك المرأة المسلمة أن أبناءها وديعة في يديها، فعليها رعايتها، وتقدير المسؤولية؛ فهي صاحبة رسالة ستُسأل عنها، وألا تنسى أن تكون القدوة الحسنة لكل ما تدعو إليه.
وتختتم الدكتورة أمل الموسى حديثها بالقول: هذه بعض المقترحات لتحسين العمل الذي يمكن أن تقوم به الأم، وينبغي لها ألا تغفل عن دعاء الله-تعالى-وسؤاله الصلاح لأولادها، فقد وصف الله - تبارك وتعالى-عباده الصالحين بقوله:
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.