تتوافر للقائد الفذ في أية أمة صفات نادرة تخوِّله الصعود إلى سدة القيادة والتأثير في وطنه وأمته وصناعة تحولات فاصلة تنقل مجتمعه إلى مستوى أفضل في مسيرة البناء والتطوير والقوة. وهذا النوع من القادة العظام يسجل التاريخ أسماءهم في صفحاته بمداد من نور، لتكون نبراساً وقدوة ومصدر اعتزاز للأجيال وعماداً وركيزة يتكئ عليها البناة اللاحقون. واليوم، وقد انتقلت سدة القيادة بكل السلاسة والتلقائية والأمن إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أطال الله عمره، وأمده بالصحة والعافية - نحن أمام شخصية قيادية فذة تتوافر لها من الصفات والخصائص والكفاءة والاقتدار ما حباه الله به من جينات وراثية انتقلت إليه من والده الملك المؤسس - رحمه الله -، كما يشير إلى ذلك أحد الباحثين المعنيين بتاريخ الأسرة المالكة الكريمة، وهو الأستاذ سعد بن رويشد في كتابه التاريخي المميز «قصر الحكم» الصادر عام 1419ه بمناسبة مرور مائة عام على استعادة الرياض، وكما يروي ويتحدث بذلك العارفون من كبار السن الذين أدركوا شيئاً من فترة حكم الملك عبد العزيز، واطلعوا على أسلوبه في إدارة الحكم وطريقته في التعامل مع الناس وما يعرض له من مشكلات وعوائق، أو ما يتصدى له من قضايا سياسية عويصة في الداخل أو الخارج، ولو وازنّا بين الشخصيتين الكريمتين، الملك المؤسس وابنه الملك سلمان، لوجدنا ما يؤكد التشابه أو التطابق الكبير في صفات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: حدة الذكاء، وسرعة البديهة، والقدرة على ضبط النفس، وسرعة التصرف حين يكون ضرورة، والحزم والشدة في الموقف الذي يستدعي ذلك أو التسامح واللين حين يكون التراخي واللين هو الأنجع والأصوب، والحلم والعفو، وطاقة الصبر التي لا تكاد تنفد، لتحقيق الهدف والوصول إلى الغاية، والقدرة والمهارة على التعامل مع المتغيرات الطارئة واختيار أفضل الحلول والرؤى في سبيل المصلحة وما ينفع الوطن، ويقظة الوازع الديني والخوف من الله والحذر الشديد من الوقوع في مخالفة صريحة لأمر من أمور الدين، والشعور الإنساني المرهف الذي يخفف أو يزيل لحظة غضب أو حدة انفعال بسب موقف لمخالف، فنجد أن الملك سلمان - كما شهدت بذلك سيرته في الإدارة طوال أكثر من خمسين عاماً في إمارة منطقة الرياض - يتراجع سريعاً ويعود فجأة متعالياً على انفعاله من الموقف ويكون أسلس من الحرير وأرق من النسيم بكلمات غاية في اللطف وعبارات غاية في الرقة تثير إعجاب الحضور، ممن شهدوا الموقف ودهشتهم. وإذا كانت الوراثة الجينية تبدو في بعض الملامح والصفات الجسمانية أكثر مما يمكن ملاحظته في السمات المعنوية التي تحتاج إلى كثير من دقة الملاحظة والموازنة بين المشترك من الصفات المعنوية في الشخصيتين، فإن التشابه يبدو واضحاً في الشكل الجسماني وفي نبرة الصوت التي تكاد تتطابق مع نبرة صوت الملك المؤسس بصورة لافتة جداً. وإلى ما اكتسبه الملك سلمان وراثة وطبعاً وتربية وتعلماً في البيت الملكي الكريم، أدرك من خلال تحمُّله المسؤوليات في سن مبكرة لا تتجاوز العشرين عاماً حين تولى إمارة مدينة الرياض بتاريخ 11 من رجب 1373ه وإلى اليوم خبرات ودروساً ومعارف ورؤى سياسية وفكرية وإدارية هائلة، فخلال أكثر من ستين عاماً كان سلمان قريباً جداً من خمسة ملوك هم: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله - رحمهم الله جميعاً -، ولم يكن أميراً لمنطقة الرياض فحسب، بل كان حاكماً للرياض العاصمة ومركز الحكم ومطلعاً اطلاعاً وثيقاً على مجريات الأمور الصغيرة والكبيرة ومشاركاً ومؤثراً في صناعة القرار السياسي والاجتماعي والإداري على مستوى الدولة، وقد مكّنته قدراته الخاصة وملَكاته وسعة اطلاعه وعلاقاته الواسعة بالقبائل والعشائر والشخصيات الاجتماعية والتجارية والأدبية والإعلامية في الداخل والخارج من تكوين رؤى بصيرة وواعية نحو القضايا التي يصخب بها المجتمع السعودي والمجتمع العربي الكبير بما يمور به من صراعات وحروب وتحالفات وغيرها. ... يتبع.