يرى المفكر الأمريكي جوزيف ناي في كتابه «Soft Power» أن القوة الناعمة هي وسيلة النجاح في السياسة الدولية، وترتكز القوة الناعمة لبلد المؤثر على ثلاثة موارد، هي ثقافته، وقيمة سياسته الداخلية، وقوة سياسته الخارجية. أصبح مفهوم «القوة الناعمة» اليوم جزءاً لا يتجزأ من لغة القادة السياسيين ومنظري علم السياسة والباحثين عموماً في أنحاء العالم كافة. من اللافت للنظر زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية الأخيرة مع وفد كبير رفيع المستوى من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهذا يعني أن الحكومة الأمريكية تسعى لتعزيز العلاقات الثنائية مع السعودية. صحيح أن سياسات أوباما الخارجية وفي الشرق الأوسط بالتحديد غير مستقرة، ولكن الحكومة الأمريكية تعي جيداً أن السعودية لها دور مهم للغاية في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، فالمملكة أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وتساهم في سياستها المتوازنة ودورها الإيجابي والمؤثر لتعزيز استقرار أسواق الطاقة العالمية. لا جدال في أن السعودية تتمتع بالقوة الناعمة ودورها القيادي العالمي، ليس في مجال النفط والاقتصاد الدولي فقط، بل حاضنة الاستقرار والسلم في الإقليم أيضاً، وهي باب بحر الأمان للعرب والمسلمين، ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط بل العالم الإسلامي أيضاً، رغم أن بعض الدول العربية تعاني من صراعات مزمنة على أكثر من جبهة نتيجة فوضى الحراك السياسي داخل مجتمعاتها، والصراع العربي- الإسرائيلي. خلال سبعين عاما هي عمر الحلف السعودي الأمريكي، كانت بداية العلاقات بين البلدين تتطور بشكل بطيء، ولكن العلاقة الثنائية خلال سبعين عاما من أفضل إلى الأفضل رغم تواجه المصاعب السياسية وتتغلب عليها لأن الحكومة الأمريكية تعي جيداً أهمية المملكة دوليا وإقليميا، ومن الصعب جداً الاستغناء عنها ولا يمكن أيضاً الإخلال به. العلاقة بين الدولتين ليست مجرد علاقة صداقة، وإنما علاقة استراتيجية طويلة المدى، فالمملكة تعي جيداً أن الولاياتالمتحدة لن تجد أفضل من السعودية حليفا استراتيجيا سياسيا واقتصاديا وأمنيا في الشرق الأوسط. تتفق الدولتان أن التحالف الاستراتيجي لا بد له أن يستمر ويستثمر ويقوى مهما كان حجم التباين والاختلاف. لا شك أن إيران تحاول توسيع نفوذها في الشرق الأوسط منذ زمن طويل، ولكن المملكة هي الحصن الأساسي ضد هذا التوسع، وتلتزم السعودية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وشجب العنف وجميع الوسائل التي تخل بالأمن والسلم الدوليين والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي بين دول العالم. إضافة إلى أن المملكة تحاول أن تحرص على استقرار أسواق النفط العالمية، والسعي لتنمية التجارة الدولية على أسس عادلة وأسس اقتصاديات السوق الحر، وتلتزم أيضاً قواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية واحترامها. من الواضح أن الرئيس باراك أوباما لم يأت لوحده، بل كان يرافقه وفد كبار الشخصيات من الوزن السياسي الثقيل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولا أحد يتصور أنهم أتوا لإظهار حجم التقدير للمملكة وإظهار قوة العلاقات الثنائية، وهذا يؤكد أن المملكة لا يمكن تجاهل أهمية دورها في السياسة الدولية والإقليمية من خلال استخدام القوة الناعمة. نستطيع القول إن المملكة العربية السعودية دولة عظيمة وراسخة ومستقرة بالفعل.