أزاحت شركة آبل يوم الأربعاء الماضي النقاب عن بدعتها الرائعة آيفون 5. وبدون شك فإن هذه الإزاحة قد كشفت عن بعض محاسن هذه البدعة الفنية الراقية التي صارت آبل تقدمها لنا كل عام، وهذا ربما لا يروي كل عطش المشتاقين والعشاق الذين ينتظرون على أحر من الجمر شراء هذا الجهاز عندما ينزل إلى الأسواق، وفي المقدمة يأتي الشباب الذين ينتظرون دورهم للاصطفاف أمام المتاجر التي سوف تبيع لهم هذا الاصدار الجديد. وعلى أية حال فإن الشباب ليس وحدهم الذين ينتظرون تسويق الآيفون 5. فالإدارة الأمريكية والمروجون لإدارة أوباما هم أيضاً يتوقعون أن يؤدي تسويق الآيفون الجديد إلى تحسن في أداء الاقتصاد الأمريكي في النصف الثاني من هذا العام. وهو النصف الذي سوف يشهد أوج الحملة الانتخابية الأمريكية. الأمر الذي من شأنه دعم موقع الرئيس الحالي في الانتخابات. وهذا ليس مبالغة. فالإحصائيات تشير إلى أن الآيفون الذي سوف يباع ب 600 دولار سوف يدعم الاقتصاد الأمريكي ب 400 دولار- وذلك بعد طرح ما سوف يصرف على استيراد ملحقات الآيفون والتي تقدر ب 200 دولار. وعلى هذا الأساس فإن المحليين في أحد أكبر البنوك الأمريكية جي بي مورجان تشايس يتوقعون أن يؤدي بيع آيفون 5 إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي قدرها 3,2 مليارات دولار في الربع الرابع من هذا العام، وهذا ربما قد يؤدي إلى إحداث تغير في مسار الاقتصاد الأمريكي واكتسابه بعض التسارع بدلاً من التباطؤ الذي يتوقعه له بعض المحللين. ولكن ما يهمني في هذه السطور ربما هو أبعد من كل ذلك، فهذا الجهاز المتواضع في الصغر هو بالتأكيد واحد من رموز أمريكا الحديثة وعظمتها. فالمخترع ستيف جوبز قد تمكن قبل أن يغادرنا أن يغير ليس فقط صناعة الهواتف النقالة وإنما العالم، فالآيفون خلال فترة وجيزة تحول من سلعة الكترونية بسيطة إلى سلعة إستراتيجية. وهذا انعكس على شركة آبل المنتجة له والتي تحولت خلال فترة بسيطة إلى أغنى وأكبر شركة في العالم. فأسهم الشركة قد شهدت صعودا خياليا ووصلت إلى أكثر من 664 دولاراً للسهم الواحد- أي أن القيمة الإجمالية للشركة هي 621 مليار دولار. وبهذا تكون قد تفوقت على عملاق النفط شركة إيكسون موبايل. لقد غيرت آبل مفهوم السوق وربما الاقتصاد. فعائدات الشركة لا تقتصر فقط على مبيعات الآيفون الذي يدر على الشركة 39% من إجمالي دخلها. فمتجر آبل هو الآخر قد أصبح من أضخم مخازن العالم. وإذا كانت صفقات البوينج مثلاً تحتاج إلى عدة أعوام من أجل إبرامها وإلى تفاهمات صعبة ومساومات شاقة بين حكومات بكاملها فإن متجر آبل يبيع للعالم آلاف المنتجات الالكترونية كل ثانية. هذه هي حقائق الاقتصاد الجديد الذي تصنعه أمريكا والذي من خلاله تؤكد زعامتها للعالم. بل وأكثر. فتطور هذا الاقتصاد ربما يؤدي فيما بعد إلى تغير كبير في السياسة الخارجية. فأمريكا قد لا تكون مضطرة في المستقبل إلى الدخول في مساومات مخلة بكرامتها ومبادئها مع بلدان العالم من أجل تسويق منتجاتها.