يقول محللون إن البلدان المصدرة لمواد الطاقة التي كدست مليارات الدولارات من الأرباح المفاجئة في صناديق الاستثمار السيادية قد تضطر إلى تكرار السحب منها مع تراجع عائدات تصدير النفط، الأمر الذي قد يحدث هزة قوية في أسواق الأسهم والسندات والعقارات في أنحاء العالم. وصناديق الثروة السيادية التي تستند إلى عائدات تصدير النفط فاعل رئيسي في التمويل الدولي، إِذْ تحتفظ بما يزيد على خمسة تريليونات دولار من الموجودات وفقا لتقديرات ديفيد سبيجل خبير الأسواق الناشئة في بي.إن.بي باريبا. وأموال هذه الصناديق مقسمة في العادة إلى سلال مختلفة يخدم كل منها وظيفة معينة وتساعد على تعزيز الإنفاق الحكومي في أوقات هبوط عائدات الصادرات أو إدارة الأرباح المفاجئة على مدى عقود من أجل الأجيال القادمة. وبمقدور حكومة النرويج أن تنفق كل عام ما يصل إلى أربعة في المئة من صندوق ثروتها السيادية البالغ قيمته 850 مليار دولار وهو الأكبر في العالم، لكنها لم تنفق سوى 2.8 في المئة في عام 2014 واستخدمت هذه الأموال في تمويل تخفيضات ضريبية. ومع تأرجح أسعار نفط برنت الخام فإنَّ كثيرا من الصناديق بدأت بالفعل استخدام مكوناتها الخاصة بتحقيق الاستقرار. وفي أكتوبر - تشرين الأول قالت حكومة النرويج إنها قد ترفع السقف الخاص بمقدار ما يجوز لها استخدامه من صندوقها للثروة السيادية لمواجهة الآثار الاقتصادية لهبوط أسعار النفط. وقد هبط النفط أكثر من 20 دولارا في البرميل منذ ذلك الحين. وتحوز صناديق الاستقرار في العادة المزيد من أدوات الاستثمار المنخفضة المخاطر ولاسيما السندات التي يمكن بسرعة تحويلها إلى أموال سائلة. وقال سبيجل «الجزء الأكبر من أموال (صناديق الاستقرار) يجري استثماره في أدوات عالية الجودة وكثير منها في سندات الخزانة الأمريكية وسندات حكومية أخرى.» وأسوأ السيناريوهات المحتملة للبلدان المنتجة للنفط مع استمرار تراجع أسعار النفط لفترة طويلة هو احتمال أن تضطر الحكومات إلى استخدام الصناديق التي تدار من أجل الأجيال القادمة. ويتضمن هذا النوع من الصناديق السيادية في الغالب المزيد من الأدوات الاستثمارية الطويلة الأجل والأقل سيولة مثل العقارات. وشارك المستثمرون السياديون في بعض من أكبر صفقات العقارات والبنية التحتية هذا العام. الخليجيون وافتقاد الشفافية وفي الإطار ذاته، أظهر تقرير نشرته مجموعة جيو إيكونوميكا لأبحاث المخاطر السياسية أن الغالبية بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم تفتقر إلى الشفافية والحوكمة الملائمة، وأن مستويات الشفافية لدى الخليجية منها كانت منخفضة بدرجة كبيرة. وقيمت جيو إيكونوميكا وهي شركة أبحاث مستقلة مقرها جنيف أداء 31 صندوق ثروة سياديا يبلغ إجمالي أصولها أربعة تريليونات دولار لتحديد مدى التزامها بمبادئ سانتياجو، وهي ميثاق عمل طوعي بخصوص الحوكمة والشفافية. وقالت جيو إيكونوميكس في مؤشرها للامتثال لمبادئ سانتياجو التي تنشره سنويا منذ ثلاث سنوات «ينبغي للعديد من الصناديق ولا سيما من منطقة الخليج إدخال تحسينات كبيرة على سياسات الإفصاح المالي والتحلي بمزيد من الشفافية بخصوص ترتيبات الحوكمة.» ووجدت الدراسة، بحسب وكالة رويترز، أن تسعة صناديق اعتبرت ممتثلة تماما للمبادئ في حين كانت تسعة أخرى ممتثلة بوجه عام. لكن ثمانية أخرى أوفت بجزء فقط من التزاماتها وتفتقر إلى المعلومات المالية القوية مثل البيانات المدققة والميزانيات العمومية أو المؤشرات القياسية للأداء. وصناديق الثروة السيادية هي كيانات مرتبطة بالدولة جاءت أموالها عادة من عوائد الموارد الطبيعية عقب طفرة في السلع الأولية والطاقة كما هو الحال في النرويج. وقد تنشأ الصناديق نتيجة تراكم إيرادات صادرات الصناعات التحويلية كما هو الحال مع الصين. التعامل مع الأزمات في ظل العاصفة التي تتعرض لها الأسواق الناشئة قد تقرر بعض الدول الغنية بالموارد الطبيعية إبقاء نسبة أكبر من ثروتها في صورة أصول سائلة حتى تتمكن من استخدامها لدعم الاقتصاد، بدلا من وضعها في استثمارات استراتيجية من أجل الأجيال القادمة. وتؤدي خطوات كالتي اتخذتها قازاخستان الأسبوع الماضي باستخدام أموال الصندوق الوطني لتقليص القروض المتعثرة لدى البنوك، وما عزمت عليه روسيا من استخدام صندوق الثروة الوطني لإنقاذ أوكرانيا إلى تقليل المبالغ المتاحة للاستثمار في مشروعات كبرى مثل البنية التحتية. وبحسب بيانات من شركة بريكين بلغت نسبة أصول صناديق الثروة السيادية العالمية المستثمرة في البنية التحتية 57 بالمئة في 2013 بارتفاع طفيف عن 2012. واستأثرت مشروعات البنية التحتية الاجتماعية مثل المستشفيات والمدارس بنسبة 44 بالمئة. ويعول كثير من المستثمرين المحتملين والحكومات على الصناديق السيادية للمساهمة في سد الفجوة التمويلية في تلك المشروعات التي تمتد لعدة سنوات. وفي الكويت أنفق صندوق الثروة السيادي ما لا يقل عن 1.5 مليون دينار (5.3 مليون دولار) في أواخر عام 2008 لوقف هبوط البورصة المحلية ولمساعدة البنوك على جمع رؤوس أموال جديدة في 2009. وقال اندرو أنج مستشار صندوق الثروة السيادي النرويجي والأستاذ في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال: إنه يجب أن تكون للصناديق مسؤوليات محددة بوضوح أو أهداف استثمارية سواء كانت احتياطيا لإنقاذ البلاد في الظروف الصعبة أو ادخارا من أجل الأجيال القادمة مع إمكانية تقسيم الصندوق إلى عدة وحدات. وتظهر بيانات لتومسون رويترز أن صناديق الثروة السيادية تشتري الأصول بأسرع وتيرة منذ الأزمة المالية مع عودة الثقة التي فقدتها عندما فشلت راهانات كبيرة وضعتها على بنوك غربية. وتظهر الأرقام أن الصناديق الحكومية التي تستثمر الإيرادات الاستثنائية من صادرات النفط وغيرها لصالح الأجيال القادمة قد شاركت في صفقات قيمتها 40 مليار دولار على مدى الأشهر التسعة الأولى منذ 2014 وهو أعلى معدل منذ 2007. كان بعض صناديق الثروة تعرض لضغوط محلية بعد تكبد خسائر تقدر بنحو 80 مليار دولار في ذروة الأزمة المالية بفعل استثمارات في البنوك الغربية. ومن الصفقات البارزة هذا العام مشاركة جهاز أبوظبي للاستثمار في كونسورتيوم اشترى كوينزلاند موتورواي ومشاركة جهاز قطر للاستثمار في شراء ناطحة سحاب قيمتها 1.4 مليار دولار في كناري وارف بلندن.