يا سمو أمير منطقة الرياض، أكتب إليك من منزلي الواقع بحي النهضة بالرياض، لم أشأ الكتابة إليك مباشرة، لكن قبل ليلة أو ليلتين عبأت روحي لمثل هذه الكتابة، لقد قرأت عنك الكثير، وسمعت عنك الكثير، ولم أدع أحدا ذا شأن بك إلا وسألته عنك، كي أعرف عنك الكثير، لقد أبهجوا خاطري بما قالوه عنك وعن تطلعاتك وأحلامك وآمالك وخططك تجاه تطوير هذه المدينة التاريخية الحانية، وأنك تريد أن تنهض بها، وبأشجارها وشوارعها ودروبها ومداخلها وبيوتها، وأنك تريد أن تملأها بالخضرة والحديقة والضوء والنور والنوافير الملونة، وأن تجعل القمر يجثو بجانبها، والنجوم فوانيس عشق لها، والغيوم ظلالها، وهفيف الأنسام يعبر جسدها، وروائحها زكية تنثال من هنا وهناك، والناس يزورونها ويمشون بها للمؤانسة والمسرة، كي تصفو الحياة فيها أكثر، لقد ابتهجوا فيك الناس كثيراً، لأن سلالك ملأى بالخير، وسواقيك عامرة بالماء، وأنك ستضيء المكان، وستعطي الحجر والرصيف لونه الذهبي الشفيف، لأن وجهك رضي، والناس يدعون لك، يا سمو أمير منطقة الرياض، سألتفت لك بكليتي، سأستدير نحوك تماماً، وسأقول لك بوضوح شديد غير ملون، وإن أردتني أدنو إليك سأدنو، دونما إبطاء، ودونما التفات، أعرف جيداً بأنني مفتون بالرياض مكاناً، وتاريخاً، ومنزلة، وشأنا، ومعنى، وأني مندهش بها، ومصاب بسحر مكانها ونرجسيته، وهي عندي أشبه بالدوالي عناقاً وتعريشاً وتآخيا وهمساً وجمالاً، وهي عندي مثل المياه حين تمشي نحو مصباتها وفق خرير عذب، وأنها عندي مثل قصيدة حسناء، أعيتني، حيرتني، وعذبتني، فحضورها وغيابها من الأسرار العواصي، أحياناً تأتيني مثل سيل جارف، وأحياناً تنقطع عني مثل مطر حرون، وهي عندي مثل تحليقات طيور فوق ذؤابات الأشجار، ومثل ساقية متخفية بين الأعشاب والأشجار، وهي عندي مثل نثيث من رذاذ المطر الربيعي الخفيف، يهمي فوقنا فيبعث الانتباه والصحو فينا، ومثل هالات الضوء دوائر من نور مسه غبش طفيف، تحوم حوله طيور لا شغل لها سوى الرفرفة والزقزقة، ومثل شجيرات الورد والزيزفون وكروم العنب والشجيرات التي أشبه بالعرائش والأكواخ تتوازع المكان الفسيح وقد حاذى بعضها بعضا في قبب خضر تحركها الأنسام فتعلو وتنخفض مثل أردية عبتها الرياح، عنقي مشدود دائماً إلى هذه المدينة الساحرة، يا سمو أمير منطقة الرياض، أعترف لك بصراحة تامة بأنني أحس أحياناً بأن قلبي يبكي، وعيني تدمع، حين أرى مداخل الرياض وخصة الشرقية منها وكأنها مداخل مهملة منسية، وأنت الذي تعرف بأن مداخل أي مدينة هو عنوانها الرئيسي، أيضاُ الشاحنات الكبيرة بأعداد هائلة تمشي بعشوائية ودون رادع وعلى مدار الساعة وفي مداخل الأحياء والدروب الضيقة، تقتل الناس بدواليبها الكبيرة كأنهم حمام أو دجاج، أيضاً المطبات التي تشبه التلال وكذلك الحفر الدائمة والمستمرة، إننا بحاجة إليك بعد أن أعيانا الآخرون، لكي توقف هذه المناظر البائسة، أعلم بأنني تأخرت في الكتابة إليك، علماً بأنني طرقت أبواب الآخرين كلها، وها أنذا أصل إلى بابك، من أجل أن أبدد قلقي، لأن الجفاف قد وصل حلقي، والرجفة أصابت أصابعي وركبتي، وخطواتي نحو الآخرين أصبحت رخوة وباهتة، وروحي أصبحت ذائبة مثل أصابع الشمع، إنني أريد منك وأنت القادر على ذلك، أن ترسم لنا خريطة مكانية تعيد لمداخل الرياض زهوها وحسنها وهيبتها ورونقها، وأن توقف كل المناظر العبثية التي تخدش وجه الرياض الجميل البهي الحسن، إنني متعلق بهذه المدينة، وأدور حولها مثلما يدور الفراش حول الضوء، لهذا نريد أن نتساعد يا سمو أمير منطقة الرياض في إنجاز المهمة، وأن نهيئ الرياض لأن تكون ساحرة ومتميزة وفريدة فوق سحرها وتميزها وتفردها، إننا يا أمير منطقة الرياض، شركاء كلنا في هذه المدينة، فيما نراه، ونسمعه، ونعيه، ونفكر فيه، وأنك لا تستطيع حمله لوحدك، أعرف ذلك سلفا، لهذا فأنا أمطرك برسالتي هذه كي أشاركك حملك وهمك وحلمك وتطلعك، أصارحك يا سمو أمير منطقة الرياض، بأن بكاء داخلياً قد أمطر قلبي، فما رأيته في المدخل الشرقي لمدينة الرياض، ملأ عيني حسرة وأسى، ذلك لأنني لم أتصور قط أن منظر هذا المدخل وعشوائيته وعبثيته، قد يصيبني بالانكسار الحاد، والهزيمة المرة، لقد بدأت مهموماً ومتألماً مثل جندي عاد من غزوة خائبة، ساحرة هي الرياض، ساحرة هي بيوتها ونوافذها اللامعة، وحدائقها التي كل يوم تزداد وتكبر وتتوسع، لكن مداخلها، وحركة الشاحنات فيها أساء إليها كثيراً، وخبش حسنها، يا أمير منطقة الرياض، سأعيش القلق حتى أطمئن بأن رسالتي هذه قد وصلت إليك، عندها سيفر مني القلق كما يفر العصفور من خيطه، يا أمير منطقة الرياض، لست دبوراً يحوم قرب فتحة الوكر، لكنها ملاحظات واقعية وددت أن أرفعها لك، لأنك القادر على إزاحتها و ترميمها.