مثل غيرنا من التجمعات البشرية، نعيش في منطقة الخليج تداعيات تداخل الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والسياسة. وتداعيات ما يحدث في بوتقة تسييس الدين محلياً وإقليمياً، والتفاعلات مع مصالح القوى الأخرى في العالم ومستجدات علاقاتها البينية. في أوروبا استطاعت الدول التغلب على ميراث حروبها ونزاعاتها واستقرت سياسياً وعسكرياً، ولكن الضمور الاقتصادي بدأ يتسلل إلى دول أوروبا ومداخيلها . وإذا كان حلف الناتو يحميها من أطماع روسيا عسكرياً، فقد أدت حاجتها إلى حماية اقتصادها إلى تكوين الاتحاد الأوروبي مركزاً على استدامة النمو الاقتصادي. في المنطقة العربية أهم ما حدث كان الخروج من تبعية الدولة العثمانية والوقوع تحت سيطرة القوى الأوروبية، والاضطرار إلى ابتلاع نكبة سرقة فلسطين واختلاق إسرائيل، وأحلام الخارطة الجديدة للشرق الأوسط التي ما زالت تنفذ منذ رسمتها طموحات الحركة الصهيونية في ثلاثينات القرن الماضي. تاريخ التحولات في خارطة التفاعل السياسي العسكري الاقتصادي أوروبياً وكونياً ممتد منذ القرون الوسطى.. أما في منطقة الشرق الأوسط فتاريخ التفاعل بينها كدول سيادية قصير زمنياً يعود إلى ما بعد الحرب العالمية. وفي الخليج يمتد فقط لعقود لا تصل إلى قرن فهي كلها منطقة حديثة سياسياً على الخارطة. ومع هذا فالعلاقة بين سكان المنطقة تمتد عميقة في التاريخ بين علاقات أسرية تربط القبائل المتجاورة ، وصراعات على الموارد والسيطرة ، وتحالفات تعاون تتغير مع تغيرات الأوضاع. اليوم ، وقد مر على تكون مجلس التعاون عقود من الزمان وما زال يسعى إلى اكتمال الفاعلية، يعيد صانعو القرار التفكير جدياً في دعوة خادم الحرمين لقادة دول المجلس والمواطنين، للصعود بموقعنا في دول مجلس التعاون من مرحلة التعاون إلى مستوى الاتحاد . وهذا يتطلب مناقشة تداعيات الاقتراح، وتحديات وفوائد تنفيذه. في أجواء متأزمة بدموية الإرهاب وتصدع سلطة الأنظمة عربياً، وتصاعد الصراع إقليمياً، عقد في البحرين الملتقى الثالث للتخطيط الإستراتيجي الخليجي. تكلمت فيه بصفة خبيرة ومتابعة شخصية لا تمثل آراؤها أي توجه رسمي لأي جهة، إلا في ما يتعلق بكوني مواطنة خليجية مهتمة بكل الخليج. وفي تتابع الأحداث المصيرية والمستجدات والمتغيرات على الساحة الخليجية وساحة الجوار القريب والإقليمي، إقامة مثل هذا الملتقى قرار صحي ومهم لتوضيح الجوانب المختلفة الضرورية لاتخاذ القرار النهائي السيادي والجماعي في الاتجاه الصحيح. نحن في حاجة للتفكير بهدوء واتزان وأسلوب علمي مدقق في كل مدخلات أوضاعنا التاريخية والجغرافية والاقتصادية ، وموروث علاقاتنا وأعرافنا الاجتماعية والثقافية والسياسية. ونتائج تداخلاتها في الماضي البعيد والقريب، والحاضر. وفي حاجة لتوضيح أين ستقود مستقبلنا إن لم نتحكم في هذه المدخلات وتفاعلها ونتائجها. نحن في حاجة لاستراتيجية موحدة نعبر بها إلى بر الأمان كمجموع متكامل متداعم .. وهذا ما سأتناوله معكم في حوارنا القادم.