رأس معالي وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الرئيس الفخري لمجلس وزراء العدل العرب في جدة الدورة الثلاثين لمجلس وزراء العدل العرب، حيث أكد المجلس على الدور الكبير الذي اضطلع به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- في نشر قيم العدالة والسلم ودحر الإرهاب والفساد، وتثمين جهوده المؤسسية في هذا المجال وخاصة مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات ومركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب المنشأ في مقر الأممالمتحدة في نيويورك بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين. فيما أشار الوزير العيسى في كلمته الافتتاحية إلى أن المملكة وهي تسعد باستضافة هذه الدورة لتؤكد أن العمل العدلي العربي المشترك يمثل لها أهمية كبيرة، لاسيما وهو يتناول العديد من الموضوعات الجديرة بالرعاية والاهتمام ومنها الاتفاقية العربية العدلية الخمس (مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، والاتفاقية العربية لنقل نزلاء المؤسسات العقابية والإصلاحية)، ودخول هذه الاتفاقيات حيز النفاذ. وقال الوزير العيسى إن الأعمال والممارسات والتسهيلات المحفزة للإرهاب لا تقل خطورة عن الإرهاب ذاته، وأكد أن الإرهاب يحاول أن يجد ذرائع واهية لبشاعة جريمته بسبب ما يتكئ عليه من وجود ممارسات وأعمال سياسية مجرمة، لأن الإرهاب باختصار وهو في غمرة جهله وعنفه لا يعرف العدالة والمنطق ولا يعير أي اعتبار للقيم ولا للمواثيق ولا الذمم، وقال إن إذكاء نعرة الطائفية وباعثها إما الدين أو المذهب ولربما امتد باعثها إلى السياسة والفكر هي أحد أخطر معامل الإرهاب بل وفي مقدمة حاضناته، وأن الطائفية المضادة لا تقل عن أختها وهي ربيبة الإرهاب، ويجب على الجميع تغليب لغة التفهم ومن ذلك التسليم. من جانبه أكد معالي وزير العدل في لقاءً مع وسائل الإعلام بعد الجلسة الافتتاحية: إن المملكة العربية السعودية فوتت الفرصة على الإرهاب والتطرف من خلال أحكام قضائية عادلة وتشريعات فاعلة، وأعمال مؤسسية حضارية، منها كما تعلمون مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وفي جميع الأحوال على الجميع تغليب لغة التفاهم والتعايش، ومن ذلك التسليم بوجود الخلاف والتنوع وأنه يمثل سنة من سنن الله الكونية وأنه لا يمكن لأحد إما أن يحمل الناس جميعاً على ما يؤمن به وإلا خرج عن إطار الشرع وأخل بالنظام، ولا يعني هذا عدم بيان الحق بل يُبَيّن بحكمة الإسلام وموعظته الحسنة، ولا تعني لغة التفاهم والتعايش وكذلك أيضاً الحوار والذي يقود بموضوعيته لتفهم الآخرين، لا تعني أبداً الاقتناع والتسليم بما هو خلاف الحق والصواب لا تعني ذلك ألبتة. وقال د. العيسى في مؤتمره الصحفي: عادة ما تميل نزعة التطرف والغلو للتكلف في المثالية وبالتالي ترتد سلباً عند وجود أدنى مُعكر لكامل متطلباتها المغالية في المثالية والتي كثيراً ما يصعب وجودها في زمن أو مكان أو ظرف معين، وهي وفق هذه النزعة ترى أنه لزاماً أن تتحقق بحذافيرها ثم تكون بعد ذلك في مأزق صادم لها، ولا تستطيع بحسب تواضع تأهيلها الفكري وربما الضحل جداً لا تستطيع التعامل معه إلا بالمواجهة والانفعال والعنف، ونتيجة ذلك يحصل المتوقع وهو عدم قدرتها على التعايش معه بينما يستقيم الاعتدال والوسطية على منطق الواقعية، وكل هذا نجده بصيغة أخرى أكثر دقة في قواعد الفقه الإسلامي المتعلقة بتحقيق التوازن أو ما يسمى بالترجيح بين المصالح والمفاسد وفي قاعدة سد الذرائع، وكذلك قاعدة عموم البلوى، ومعلوم أنه إذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق أي رجع لإطاره المحدود شرعاً، وقد يقف البعض حائراً في أمور تتطلبها سياسة الدنيا ليس فقط بالمصالح المرسلة بل هي في الواقع مصالح معتبرة فما كان من حاجة أو ضرورة الأمة فهو معتبر المصلحة لا مرسلها، والتطرف والغلو والإرهاب والعنف وغيرها من المصطلحات أبعد ما يكون أصحابها عن هذه المفاهيم في مادتهم الشرعية، في التحصيل ابتداء وفي الفهم والتطبيق انتهاء، وينتج أيضاً عن تصدي غير المؤهلين للقضايا الشرعية الكبرى وخصوصاً قصور قراءتهم للأحداث المحفزة لعنفهم وعدم كفاءتهم في تقدير عواقب تصرفاتهم، ولو لم يكن من ذلك سوى الانعكاس السلبي على الصورة الذهنية عن الإسلام وأهله لكفى، وبلا شك عندما تغيب القدوة الحسنة عن القيام بدورها أو لا توجد أصلاً أو تنقصها الأدوات الكاملة، أو تفقد الثقة بها، عندئذ تحل محلها القدوة السيئة والتي غالباً ما تنتهز فرصتها هذه لتحقيق أهدافها المنظمة والممنهجة. ومن المؤسف أن من بين القدوة الحسنة من لا توجد لديهم الرؤية الكافية لتحقيق الأهداف بل يكون السير خالي الوفاض من ذلك كله، ويكل الأمر للارتجال ومفاجآت النتائج، وهذا الشيء ليس مسؤولية شخص أو شخصين أو حتى مؤسسة ما، بل مسؤولية العديد من الأفراد والمؤسسات العلمية كل بحسب اختصاصه وحقله وما ينتظر منه وفق دوره، مع تقدير بعض الحضور العلمي الممنهج لكن لابد له من الإسناد ليتكامل مع غيره. وأضاف وزير العدل رداً على أسئلة الإعلاميين: كلنا نعرف أنه قد يكون للتطرف ملاذ وعودة بعد منازلته العلمية والفكرية، لكن لا يقطع الطريق عليه شيء مثل ما يقطعه التحصين والتوعية، والأولى بها في التأسيس لها هي مقاعد الدرس الأولى والهدف من ذلك أن تترسخ في وجدان النشء. وكان مجلس وزراء العدل العرب قد استعرض في ختام أعماله بجدة العديد من الموضوعات منها اعتماد تقرير الأمانة الفنية عن الخطوات المتخذة لتنفيذ قرارات المجلس في دورته التاسعة والعشرين والإحاطة بدخول عدد من الاتفاقيات العربية حيز النفاذ وحث الدول العربية التي لم تصادق عليها إلى سرعة المصادقة، وحث الدول الأعضاء التي لم تصادق على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب على إتمام إجراءات التصديق عليها، وحث الدول المصدقة على هذه الاتفاقية والتي لم تصدق على تعديل الفقرة الثالثة من المادة الأولى من الاتفاقية على التصديق على التعديل وإيداع وثائق التصديق لدى الأمانة ودعوة الدول الأعضاء إلى مواصلة تزويد الأمانة الفنية للمجلس بما قامت به من إجراءات لملاءمة تشريعاتها مع أحكام الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ودعوة وزارات العدل العربية إلى إرسال ردودها على الاستبيان الخاص بتنفيذ الاتفاقية -إذا لم تكن قامت بذلك- تمهيداً لإصدار التقرير السنوي عن سنة 2014 بشأن متابعة تنفيذ الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والإجراءات والنماذج التنفيذية لهذه الاتفاقية والذي يعده المكتب العربي للشرطة الجنائية، والترحيب باعتماد الاستراتيجية الإعلامية العربية المشتركة لمواجهة ظاهرة الإرهاب التي اعتمدها مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته الخامسة والأربعين والتأكيد على نبذ الإعلام المحرض الذي يشيع روح الكراهية والتفرقة ويدعو إلى العنف والإرهاب وحث الدول العربية على اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لذلك ودعوة الدول العربية التي لم ترسل تشريعاتها الوطنية والاتفاقات الثنائية الجماعية التي أبرمتها في مجال مكافحة الإرهاب إلى موافاة الأمانة الفنية بها قصد استكمال إعداد الدليل التشريعي العربي حول التشريعات الوطني والاتفاقات الثنائية والجماعية لمكافحة الإرهاب. ودعوة الدول العربية على التعاون العربي الثنائي والجماعي لتفعيل أحكام الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والترحيب بالاقتراح المصري الداعي لعقد اجتماع مشترك لمجلسي وزراء العدل والداخلية العرب لتفعيل الاتفاقيات الأمنية والقضائية العربية وخاصة الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وحث الدول العرية على المشاركة الفعالة في هذا الاجتماع. كما رحب مجلس وزراء العدل العرب بدخول الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب حيز النفاذ، ودعوة الدول العربية التي لم تصادق عليها إلى إتمام إجراءات التصديق وإيداع وثائق التصديق لدى الأمانة العامة، والتأكيد على أهمية التعاون العربي الثنائي والجماعي بين الجهات القضائية في الدول العربية في التحقيقات والمتابعات والإجراءات القضائية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب تفعيلاً لأحكام الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والعمل على وضع إستراتيجية إقليمية ووطنية للحد من عمليات غسل الأموال ومنع تمويل الإرهاب. كما دان المجلس الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها دول عربية وجميع أشكال الإرهاب ومظاهره وأياً كان مصدره، والعمل على تعزيز تدابير الوقاية منه ومعالجة أسبابه واقتلاع جذوره وتجفيف منابعه الفكرية والمالية ووضع برامج تهدف إلى نشر ثقافة التسامح الديني ومحاربة التطرف. وأكد المجلس على الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية ورفض كل أشكال الابتزاز من قبل الجماعات الإرهابية بالتهديد أو قتل الرهائن أو طلب فدية لتمويل جرائمها الإرهابية. كما أكد المجلس أيضاً على أهمية متابعة تنفيذ ما تضمنته بنود إستراتيجية الأممالمتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب من تدابير وخاصة في مجال الوقاية من الإرهاب ومعالجة الظروف والعوامل التي تؤدي إلى انتشاره مع مراعاة التدابير المنصوص عليها في الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب، ودعوة الدول العربية إلى اتخاذ الخطوات اللازمة نحو تبادل المعلومات والتعديل بها وذلك فيما يتعلق بأعمال وتحركات الإرهابيين والشبكات الإرهابية. فيما واصل المجلس جهوده لإنشاء شبكة للتعاون القضائية العربي في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ودعوة الدول العربية التي لم تحدد بعد نقاط اتصال إلى القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، والترحيب بقرار مجلس الجامعة على المستوى الوزاري بعقد ورشة عمل حول التعريف بشبكة التعاون القضائي العربي في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وأهدافها وطريقة عملها ودعوة الجهات المعنية في الدول العربية إلى المشاركة المكثفة في هذه الورشة.