تلقّيتُ نعي ابن بُريدة الوجيه ناصر بن محمد السّلمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الساعة السادسة من صباح يوم الاثنين الموافق السابع عشر من الشهر الأوّل سنة ست وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة. تلقّيتهُ بقلب مُؤمن، وصبر مُحتسب، وحزن مُودع لوجيه من وجهاء بريدة الأوفياء الذين امتلأت ذاكرة أبنائها من خصالهِ الحميدة، وسجاياه الطيبة، وفضائله الكريمة، ومواقفه النبيلة. فاسترجعتُ ودعوتُ الله أن يرحمه، فقد صبر على طول المرض، وشدّة آلامه الذي أقعده فراشه مُحتسباً إلى الله العليّ القدير أن يرحمه، وألا يعذّبه، ولا يُؤاخذه فرحمته وسعت خلائق السماء والأرض. هذا وتوالت رسائل التواصل التي تنعى شيخنا السّلمي عن عُمر يُناهز الثمانية والثمانين عاماً، تلقّى مبادئ تعليمه في كتّاب بريدة القديمة، وشبّ على حب العلم، وتعلّم مواده الدينيَّة، والعربيَّة، والتاريخيَّة على عُلماء أفاضل غرسوا فيه بذرته التي قطف ثمارها اليانعة بتربية، وتعليم ثلاثة من أبنائه الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه، وعملوا أساتذة، وقُضاة في جامعة القصيم، والمعهد العالي للقضاء، ووزارة العدل، وآخرون موظفون في مؤسسات الدولة ورجال أعمال في مؤسساتهم. إنّه نِعم المربي الفاضل الذي أنجب هؤلاء الأخيار الذين أبقوا ذِكراً طيّباً لوالدهم تناقلته الألسن التي وجدوا فيه نِعم الرجل الذي حرص على تقديم الواجبات الاجتماعيَّة التي عُرف بتلبية دعوتها، وطول يد كرمه إلى جمعيات البر، وتحفيظ القرآن، ورعاية الأيتام. إنّه نِعم الرجل الذي عُرف بطيب المعاملة مع زبائنه بصدقٍ وأمانة، لا يدخلها غش ولا كذب؛ لأجل تصريف بضاعته التي وجدوا فيها صدق أمانته التي أهّلته على حمل السجل التجاري رقم (1) بمسقط رأسه، ومنه انطلق إلى عالم التجارة، وحظي بوكالة فرع أكبر شركات السيارات بمنطقة القصيم. إنّه نِعم الرجل الذي عُرف بحُسن تنظيمه لوقته، وصرامته على الحفاظ عليه الذي يُعد سر من أسرار نجاح تجارته، كما بارك الله في وقته على حضور المحاضرات الدينيَّة التي يُلقيها طلبة العلم في منابر الجوامع، وعلى حضور الاحتفالات الوطنيَّة التي تُقام للاحتفاء بزيارة ولاة الأمر لمنطقة القصيم، وعلى حضور المناسبات الاجتماعيَّة التي لا يتخلّى عن حضورها، وتشريف أصحابها تقديراً لتلبية دعوتهم. إنّه نِعم الرجل الذي أوجد علاقة وطنيَّة مع مُختلف الشرائح التي تعاملت معه في شتّى أوجه الحياة، وعَلماً بارزاً من أعلام بريدة، ونجماً ساطعاً من أنجم المنطقة، ويداً طولى لإكرام فقرائها، وقلباً محباً لضعفائها، وإحسان خير لأراملها، ورحمةً لمساكينها، وأباً لأيتامها، وتفرجةً لمديونيها فأجمع الذين حضروا مراسم تشييع ودفن جنازته على أنّه ابناً من أبناء بريدة الذين أبقوا ذِكراً طيباً جسّده حضورهم الذي من الصعب عبر هذه الأسطر في صفحة وفاء تجسيده من كثرة المشيّعين الذين حضروا من داخل المنطقة، وخارجها؛ لتقديم واجب العزاء، حيث إن الكثيرين منهم لم يستطيعوا دخول سرادقها؛ لامتلائها من المعزّين، واكتفى أكثرهم بتقديم العزاء داخل قصر عائلته الذي لا يقل الازدحام فيه عن ساحات، وسرادق المقبرة. هذا وتعازينا لأولاده، وبناته، وأحفاده، وحفيداته، وعائلته الكريمة. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.