لفت الشاب محمد بن سعد أنظار وزير الداخلية الإماراتي الشيخ سيف بن زايد أثناء زيارته لجناح الاتصالات السعودية المشارك في معرض جايتكس بدبي 2014، وهو شاب كفيف يتعامل مع التقنية كما يتعامل معها المبصرون. وبعد حوار نال إعجاب ودهشة الوزير، فاجأ محمد الوزير بطلبه أن يلتقط له صورة، فرحب الأخير وهو غير مصدق. وما هي إلاّ لحظات، كان محمد أثناءها يواصل الحديث مع الوزير لكي يوظّف صوته في تحديد موقعه، حتى التقط له صورةً مميزة، صفّق لدقتها الوزير والحاضرون بحرارة. محمد بن سعد، من مواليد الخفجي شرق المملكة 1986م، شاب يعيش حياته بشكل عفوي، يمتاز بروحه المرحة، تعامل مع إعاقته بشكل ودي حتى أصبح يروي المزيد من الطرائف عن عالم المكفوفين، يُصر على تسميته بالأعمى لا الكفيف: - لماذا نجمّل الحقائق، أنا معاق بصرياً، ما المشكلة؟! فتحت قصة كفاحه آفاقاً جديدة لزملائه المكفوفين وجعلتهم يتعاملون مع الأجهزة كما يتعامل معها المبصرون. عن رحلته الشيقة يقول محمد: «عشت طفولتي بين منطقة حائل، ومحافظة الخفجي حيث مقر عمل والدي وإقامة أسرتي، ونظراً لعدم وجود فصول دراسية خاصة بالمكفوفين بالخفجي آنذاك، تم تسجيلي من قبل والدي في مدرسة خاصة بالخبر ثم بالدمام، وكنت وقتها قد تجاوزت السن القانوني للدراسة النظامية، فتمَّ تقييمي من قبل لجنة متخصصة، قررتْ تسجيلي بالصف الخامس الابتدائي، وهكذا تخرجت من الثانوية بعد سبع سنوات من تسجيلي بالمدرسة، بخلاف بقية الطلاب الذين يدرسون 12 عاماً». بعد حصوله على الثانوية العامة عام 2013، اتجه محمد للعاصمة الرياض ليتم تسجيله بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تخصص لغات وترجمة. وفي منتصف2010م، قرر أن يسجل في موقع التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك، فنصحه أحد اصدقائه، وهو كفيف مصري، بألاّ يبلغ متابعيه أنه كفيف، وإلا تعرض للسخرية من قبلهم. أخذ محمد يفكر بهذه النصيحة فوجدها تتعارض مع قناعاته التي تستند على الصدق مع الجميع، فغرد بالحقيقية وأبلغهم أنه كفيف، فحدث ما حذره منه صديقه المصري، فلقد تعرّضَ للسب والشتم ووصفه الجميع بالكاذب المخادع منتحل الشخصية، بل وتمَّ إنشاء «هاشتاق» للسخرية منه. تدارك محمد الموقف فعمد على إقناعهم عبر مقاطع متعددة بالصوت والصورة لكي يبيّن لهم كيف يرد ويتواصل مع متابعيه وكيف يعيش حياته اليومية، وكيف أن الكفيف شخص عادي يستطيع أن يتواصل بالتقنية كما يتواصل المبصرون تماماً مثل واقع حياته، إذ إنه يسكن لوحده في مدينة الرياض بعيداً عن أسرته، ويسافر لهم بالدمام بمفرده كل إجازة. حينها تحول هذا السخط إلى علاقة ود بينه وبين متابعيه عبر قنوات التواصل الاجتماعي، بل تطور الوضع ليقوم بتدريب المكفوفين والمكفوفات على بعض البرامج التي تسهل عليهم استخدام التقنية. وضع محمد بن سعد هموم المكفوفين على عاتقه، فتعاون مع عدد من دور التدريب ليقوم بتعليم وتدريب المكفوفين والمكفوفات الطرق المثلى لاستخدام التقنية، فتقدم لعدة جهات ليعرض عليهم آلية برمجية متوفرة على الهواتف الذكية، تحوّل جميع ما يُعرض على الشاشة إلى صوت مسموع بمجرد لمسه، وهو ما يساعد المكفوفين على التواصل عبر التقنية بحيث يستطيع البرنامج قراءة المطلوب بمجرد تمرير الأصبع على الشاشة، فيستطيع الكفيف من خلاله أن يتعامل مع الجهاز عبر الصوت. ورغم أهمية مثل هذه البرامج لفئة غالية على المجتمع وهم المكفوفون إلا أن محمداً صدم عندما لم تتجاوب معه العديد من الجهات التي تواصل معها، عدا إيميل وحيد وقصير وَصَلهُ من أحد مسؤولي شركة الاتصالات السعودية، يبلغه فيه بترحيب الشركة بمشروعه: - لقد كانت فرحتي لا توصف بهذا التجاوب من قبل شركة عملاقة كشركة الاتصالات السعودية. تَّم اللقاء، وشرح محمد فكرته للمبرمجين، وتبنَّتْ الشركة هذه الفكرة حالاً، وتمَّ تعديل بعض التطبيقات لتتواءم مع حاجات المكفوفين. ومن خلالها، صار بإمكان الكفيف الاطلاع على فواتيره وتنفيذ كل الخدمات عبر برنامج خدماتي بدلاً من اتصال الكفيف على 902 و907 أو الذهاب للمكتب ليقوم الموظف بتنفيذ هذه الخدمة: - طرت فرحاً بتقديمي خدمة للمكفوفين تسهّل تواصلهم مع الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك وغيرها. طرق محمد أبواباً متعددة لينقل صوت المكفوفين ومطالباتهم للجميع، فتواصل مع عدد من القنوات والمحطات الإذاعية ليكون مذيعاً للخبر والمادة الأدبية والعلمية، ولكنه صُدم بموافقتهم المشروطة بأن يعمل مذيعاً لذوي الاحتياجات الخاصة فقط، وفي برنامج لا يتجاوز وقته ساعة أسبوعياً، فرفض عرضهم: - قمت بتأسيس إذاعتي الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلقت عليها اسم «أنامل مبصرة»، لتهتم بالموضوعات التي تشغل بال الجميع، وليس المكفوفين فقط. وكنت ولا أزال أقوم بالإعداد والمكساج والإخراج. طرح محمد من خلال إذاعته، الثقافة والأدب والرياضة، حيث يقوم بالتعليق على المباراة بالصوت بعد أن يسمعها على الهواء من معلق التلفزيون، ثم يقوم بالوصف بطريقته الخاصة. وعن ميول المكفوفين الرياضية، يقول محمد: - الكفيف مثله مثل أي مشجع، يعشق فريقه عشقاً أعمى.