كلنا نعرف أن ثمة تغيرات عميقة تعصف بمجتمعنا الذي بدأ ينفتح على العالم بوتيرة متزايدة. هذه التغيرات العميقة غير المسبوقة هي نتيجة طبيعية للتوسع في استخدام تقنيات التواصل التي ما عادت تقتصر كالسابق على الصحف والراديو والتلفزيون وإنما تجاوزتها إلى ما هو أعمق تأثيراً بعد أن صار بوسع أي إنسان أن يكون مُرْسِلاً وليس متلق فقط للرسالة الإعلامية. صرنا نعيش في مجتمع عالمي تفاعلي لا تحده حدود، وقد يعاني فتىً مراهق يعيش في قرية سعودية صغيرة من الغربة الروحية وإن كان جسدياً بين أهله ومعارفه ويشعر أنه أكثر انسجاماً مع النمط المعيشي لمدينة تبعد عن قريته آلاف الأميال مثل طوكيو أو شيكاغو أو لندن أو ملبورن دون أن تطأها قدماه! وفوق هذا صار بوسع الجميع أن يسافر إلى الخارج ويخالط ألواناً من البشر ويحتك بكل أنواع الثقافات والعادات والتقاليد. فالسفر لم يعد مقتصراً على شرائح محدودة مقتدرة مالياً كالسابق وإنما صار مشاعاً لكل الفئات من خلال العروض منخفضة الثمن التي تتيحها مكاتب السفر والطيران، وقد أصبح من النادر أن تجد مواطناً لم يسافر إلى بلدان بعيدة تختلف عن بلدنا في عاداتها وتقاليدها. وخلاصة القول إن التأثيرات التي تهب علينا من الخارج أوجدت تغييراً في واقعنا الاجتماعي يمتزج فيه السلبي بالإيجابي. ولعل أهم التغيرات السلبية تتمثل في حيرة الأجيال الجديد وهي ترى الازدواجية في الكثير من السلوكيات في المجتمع. هناك فرق شاسع بين ما يردده الناس من أقوال وما يرتكبونه من أفعال، وهناك أشياء تقال في العلن ويُقال نقيضها في الخفاء! وتبرز ضمن مظاهر التأثر ما حدث للعلاقة بين المرأة والرجل. ففي الظاهر نحن منفتحون على العالم ونستطيع أن نلاحظ المركز المتقدم الذي تحتله المرأة في المجتمعات الأخرى وقد يتصنع بعضنا الاستنارة عندما يكون المجال هو التنظير فقط ولكن ما أن ينفرد بنفسه داخل جدران بيته مع أسرته حتى يتحول إلى كائن تقليدي شديد البأس لا علاقة له بشخصيته التنظيرية التي تركها خارج أسوار بيته. أما المرأة فهي أيضا تتابع ما يحدث في العالم وترى ما حققته المرأة في بعض المجتمعات الأخرى وتتعجب من التحولات التي تمر بها شخصية الرجل قبل الزواج وبعده، فتصاب بالخيبة والإحباط مثلما يصاب بها الشاب حديث الزواج الذي يتوقع أن تكون فتاة أحلامه بأناقة وجمال نجمات المسلسلات التلفزيونية وفوق ذلك طباخة ماهرة ومتحدثة لبقة وزوجة تابعة مطيعة صبورة! فإذا أضفنا إلى ذلك صعوبات الحياة المعيشية وأزمات السكن والبطالة والضغوط الاجتماعية تصبح المسافة شاسعة بين الأحلام والواقع وتصبح العلاقة الزوجية على كف عفريت! هل هذه التغيرات التي تعصف بالمجتمع هي سبب تفشي حالات الطلاق بالشكل الكارثي الذي بينته إحصائيات وزارة العدل مؤخراً حين كشفت أن محاكم المملكة شهدت هذا العام حالة 11817 زواجاً بينما بلغت حالات الطلاق 33954 حالة للعام نفسه؟ من المؤكد أنه لا يوجد سبب وحيد خلف هذا الوضع المخيف، لكن الأرقام تقرع جرس الإنذار في زمن لم يعد بوسعنا أن نحتمي بعزلتنا القديمة ونتفرج على العالم من خلف جدران سميكة تعصمنا من التغير.