مشاكسة... عنيدة... مثيرة للجلد... غامضة كسر الوجود تلك هي حمامتي البيضاء التي كتبت عنها ذات نهار بأنها تأتي كل صباح تقف على حافة نافذة غرفتي ثم توقَع على صدري فتنقر مكان القلب نقرتين وتطير وقلبي خلفها يطير غابت حمامتي البيضاء، ولم تعد تأتي صباحاً كعادتها «بعض الحمام يخلف مواعيد الصباح» وحين عادت بالأمس عاتبتها... لم أخلفت وعد الصباح...؟ ضحكت ساخرة «وللحمام ابتسامته الأسرة» ردت متسائلة بعنفوان... كم قلباً تحمل في جوانحك ؟... قلت قلباً واحداً... قالت مستدركة وهي تنظر إلى البعيد المجهول... ولكنك لم تعد تكتب عني كل صباح... أراك مهموماً بوردتك المريضة... يا لذاكرتها «وللحمام ذاكرة» لا يذيبها الزمن أجبت... بطبعي أتعاطف مع الحالات التي تستوجب منا الوقوف معها قالت... إذن حدد موقفك... فأنا مخلوق أناني جداً لا أقرأ إلا ما يُكتبُ عن جمال عيوني فقط قلت لها... ولكنك حمامة عصيَة... فأنا أجهلك... ولا أعلم من أين تأتين ولا أين تذهبين بعد أن تأخذي قلبي معك كل صباح وترحلين... قالت دعك من كل هذه الأسئلة التي لا طائل منها ألا يكفيك أن تراني أمامك بكامل هيئتي... انظر إلى ريشي الأبيض... انظر إلى عيناي المدورتين كلؤلؤتين منضودتين في سرب الليل... انظر إلى منقاري الصغير العالق به قطرات قليلة من بقايا دم قلبك حين كنت أنقر مكانه كل صباح قلت... توغلين في تفاصيل معلومة لدي ولكني أعاود السؤال... من أنت؟ ردت بسخرية مريبة ونظرات غامضة... سيدي لست وحدي... نحن حمامتان في جسد واحد يا للحيرة... حمامتان تتناوبان علي كل صباح... ثم أطلقت ضحكةً مدوية وكأنها تسخر من سذاجتي طوال تلك الفترة التي أوجعت فيها قلبي أدركت لأول مرة أن حمامة تهزم رجلا... فقلت بقليل جداً من الغضب متسائلاً... أيعقل أن تكونا حمامتين.. وما يدريني أنكم أنثيين... فربما أحدكما ذكر... وربما كلاكما ذكر أو كلاكما أنثيين قالت وهي تنفض جناحيها استعداداً للمغيب... كل هذا جائز يا سيدي فنحن الحمام لا نهتم لنوع الجنس بقدر ما نهتم بالجمال قلت لها كلمة أخيرة قبل أن تخفقي جناحيك صوب الريح والعدم هل يخون الحمام مثلنا نحن البشر... ردت ووجهها صوب الفراغ البعيد الحمام يا صديقي البائس مخلوق افتراضي وطارت... (البستاني)