دأب مجلس الشورى على مناقشة الكثير من القضايا المهمة التي تمس حياة المواطن، ذلك كونه جهة رقابية وذراعاً تشريعية، وعندما يتابع المواطن قرارات المجلس وتوصياته، ذلك لأنه يعوّل عليه كثيراً في مناصرته وطرح قضاياه ومناقشتها وإيجاد الحلول لها، وهذا الدور يُقدر في سرور وإكبار ويُنظر إليه بعين التطلع والارتياح. لكن هناك بعض التوصيات التي يتبناها بعض السادة أعضاء مجلس الشورى، وهي تفتقر إلى الموضوعية أو ربما عدم القدرة على إيصال المقصود منها. من تلك التوصيات ما صوّت عليه أعضاء المجلس أخيراً، وأيده الأغلبية تجاه الدعوة لإيجاد جهة محايدة لتقييم أداء هيئة السوق المالية ومدى تحقيقها لأهدافها الأساسية!.. وفي ظني أن هذا المطلب لم يكن واضحاً إن كان المقصود منه تقييم وضع سوق الأسهم أم هيئة السوق نفسها، فمثل هذه التوصية تدل على عدم إلمام بالدور النظامي لعمل هيئة السوق المالية. فهيئة السوق المالية هي مؤسسة حكومية رقابية وهدفها تنظيم وتطوير سوق رأس المال ومراقبة التعامل في سوق الأسهم والسندات، ولها شخصية اعتبارية وتتمتع باستقلالية نظامية وترتبط بأعلى سلطة في البلد.. إذاً ما هو المراد بإيجاد جهة محايدة لتقييم أداء هيئة السوق المالية؟.. وما هي الجهة التي يراها مقدم التوصية والأعضاء المؤيدون لها للقيام بهذه المهمة؟.. فالجهات الحكومية بدون استثناء تخضع للمتابعة من قبل الأجهزة الرقابية الحكومية المختلفة كديوان المراقبة العامة، هيئة مكافحة الفساد، والرقابة والتحقيق فيما يتعلق بأمورها المالية والإدارية. على السادة أعضاء مجلس الشورى الذين يتصدون لمهمة وطنية كبرى التفريق بين الدور الرقابي والمالي للجهات الرقابية وحدود إشرافها على الأجهزة الحكومية والدور المهني الذي تقوم به الجهات المتخصصة والتي منها هيئة السوق المالية. فإذا ما طبقنا توصية أعضاء مجلس الشورى آنفة الذكر هنا، فإننا نتساءل عن ماهية الجهة التي يمكن أن تقيم أعمال الجهات الرقابية المسؤولة نفسها؟.. وبالتالي فإننا سنخلق حالة من الرقابة على المراقب الذي هو أعلم بدوره. لعل مثل هذه الحالة تدفعنا إلى مطالبة رئاسة مجلس الشورى الموقرة إلى الاعتماد على آراء أعضاء اللجان المتخصصة في مثل هذه القضايا المطروحة والرجوع لهم في تفنيد منطقية بعض مطالب الأعضاء، للحد من تمرير توصية أعضاء غير متخصصين، ومن ثم تأخذ طريقها إلى التوصية النهائية بفعل رأي الأغلبية وليس التخصص. فمن خلال متابعتي الصحافية وما ينشر في الإعلام على مدى سنوات ألاحظ كثيراً ورود تساؤلات من قبل بعض أعضاء مجلس الشورى عن أرقام أو معلومات، إجابتها موجودة أصلاً ضمن التقارير السنوية المعلنة والموزعة على الأعضاء!.. وهو ما يعني أن بعض السادة أعضاء المجلس لربما لا يطلعون على هذه التقارير أو الاستفادة منها إطلاقا خلال طرح القضايا للنقاش، ومعلوم أن تلك التقارير السنوية التي ترفع للمجلس تُعتبر النافذة الرئيسة لممارسة دوره الرقابي. الأخطاء موجودة في كل القطاعات، لكن المحك هو الرغبة في الإصلاح والتطوير.