خلال الشهرين الماضيين وصلتني العبارة أعلاه متكررة بصيغ مختلفة عشرات المرات من شتى وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمسموعة والمرئية تدعوني إلى الاحتفاء بالوطن. والتساؤل حول منجزات هذا الوطن جاءني أيضاً من وسائل إعلامية غير سعودية، كلهم يريدون تغطية الحدث كمادة إعلامية مطلوبة أو مستحبة. ولا أستغرب الاهتمام من الداخل أو الخارج، فالمملكة العربية السعودية تتميز بثقل اقتصادي وديني وسياسي إقليمياً وعالمياً. وللاحتفاء بها لا أحتاج إلى دعوة من أحد، فأنا متابعة منذ عقود لخططها ومشاريعها ومنجزها، ومتابعة لمستجدات ساحة تفاعلاتها داخلياً وخارجياً، وأدرس معوقات وتحديات خططها التنموية، وأحللها كمتخصصة لأتلمس لها حلولاً مستدامة. وحين أستعرض منجزاتها لأقيمها وأنصح حول مستقبلها، أتوخى الصدق الذي بدونه لا يمكن أن تكون تنمية مستدامة. يحضرني ما قلته من قبل حين شاركت رسمياً بدعوة من وزارة الخارجية عام 2002 كعضو في الوفد الذي قدّم تقرير المملكة العربية السعودية للجنة مكافحة التمييز في سويسرا. سألونا يومها عمّا يصلهم من الشكوى في إطار أوضاع الأقليات مجتمعياً ورسمياً، وأوضاع معاملة المرأة وحقوقها أسرياً وقانونياً، وأوضاع العمالة الوافدة، وغيرها مما يتعلّق بأوضاع الفرد والفئات. في كلمة مختصرة أتاحها لي يومها رئيس الوفد سمو الأمير تركي بن سعود الكبير، قلت: «إننا لسنا مجتمعا مثالياً ولا حققنا كل طموحاتنا. ولكننا دولة نامية وطموحة، صغيرة السن بين الدول، ممتدة المساحة في الخارطة، وثرية بالموارد التي تجعلها نقطة اهتمام ذوي المصالح. ولأنها دولة فتية فهي مطالبة بتزامن مراحل البناء لتلحق بركب العالم الحضاري الذي سبقها، ولكنها ما زالت تبني نفسها وتحصن منجزاتها ونجاحاتها في تثبيت مشاعر الولاء والمواطنة للكيان الكبير بعد ضم مكوناتها المناطقية المتباعدة في دولة ذات حدود معترف بها دولياً. ونحن أيضاً مجتمع راسخ في موروثه التاريخي والديني بمعرفة نظرية متعمقة في مبادئ دين حنيف ينادي بالتقوى والعدالة والمساواة والالتزام بمخافة الله قبل مخافة البشر. ولكن بيننا - كما في المجتمعات الأخرى- بشر تهمهم مصالحهم بالدرجة الأولى يمررون التجاوزات التي تهمش مثالية التعليمات والقوانين والتشريعات لحماية حقوق الآخرين. ونحن أيضاً مجتمع له خصوصيته الجغرافية الصحراوية في معظم أجزائه، وخصوصيته الاقتصادية من حيث موارده حالياً، مستجد حديثاً على متغيّرات حضارية واقتصادية مرت بها الدول الأخرى قبلنا، ولها فيها تجربة طويلة ومريرة وحروب مؤلمة من حيث السعي لأوضاع التعايش المثالي. ويظل ما نفخر به هو أننا نعتز بهويتنا، وندرك مواقع قوتنا وضعفنا، ونسعى بصدق لتصحيح أخطاء البشر المنتمين للمجتمع والوافدين عليه ما يؤخّر أو يخل ببناء المجتمع. ولسنا جاهلين بأن البعض يستغل الأوضاع والبعض يشتكي والبعض يتحيز والبعض يطلب تميزات خاصة. ولكل هذا، يشكو بعض المنتمين لفئات منه ممارسات بعض فئات أخرى. ولذا نحتاج ما مرّ به غيرنا مجتمعيا: أن تنضج تجربتنا، ووعي المجتمع، ومأسسة الدولة، ليعتاد المجتمع على مستجداته ويتقبل ضرورة ترتيب أولياته ومبادئه وترشيد ممارساته.» أتذكر هذا وأقول بوركت يا وطني في ما حققت، ووفّقك الله فيما تطمح له. ليس قليلاً ما أنجزت ولا ما يواجهك من تحديات.. وستوصلنا إلى ما نروم.