غادر الحجيج عرفات..، وانتهى الوقت المعلوم.. لله ما أعظم حكمة اليوم الواحد في عرفات..! هي هذه عرفات التي يرتادها المكِّيون مكاناً للفسحة في أيام العام كلها..، لكن بغير لباس الحج.. ولا حالة إحرام..! الأرض تكتسب خاصتها بخاصة الشعيرة.. وحكم نزل من السماء.. فيا سبحان من نظَّم، وفرض..، وأقرَّ.. ورضيَ.. الحجيج اليوم «مِنى»... ضاجة بالفرح..، ونسائم الأرواح المحلقة بالرضا.. والرجاء.. المطمئنة إلى الوعد الإلهي.. فرحة بالقبول.. وأمل في العتق من النار.. والخروج من هذه الأرض المقدسة كيوم ولدتهم أمهاتهم.. أحراراً من الذنوب ، عتقاء من النار.. وهو ذا العيد.. عيد الحاج الأكبر..، والحج المبرور... تقبّل الله من الجميع حجهم.. وجزل ثوابه لكل من خدمهم، وساعدهم ، ويسر أمرهم ، وأعان على قضاء فريضتهم.. هو ذا العيد..، أمل الداعي ربَّه أن يجمع كلمة المسلمين..، ويوحد صفوفهم..، وينصرهم على مواطن الضعف فيهم..، ويزيد إيمانهم.. عيد الأب الشفوق على أبنائه من فتن الدنيا.. والأم المتطلعة إلى عصمة بناتها من غرور الحياة..، وشتات الطرق.. عيد من هلّل..، وكبّر..، وبكى.. وارتجى.. عيد المؤمن العارف ربَّه فلا طائفة..، ولا حِزباً..، ولا عِرقاً..، ولا جماعة.. كلهم عند الرب عبيد يخضعون جباههم بين يديه، يطوَّفون على هيئة واحدة امرأة ورجلاً بيته العتيق حفاة، يأتونه من غير جاه دنيا ، ولا شحَّ حظ فيها.. ذو الحظ بين يديه ، والشحيح ، الجميل والقبيح ، القائد والحارس، العامل والفارس.. كلهم عيدهم اليوم، لا فقر من الفرح، مهما تفاوتت مشاعرهم.. اللهم تقبل جميعنا.. اللهم أسعد كل من آمن بك، ورضي بالإسلام دينه ، وبمحمد قرة عيني رسوله وقدوته عليه الصلاة، والسلام ، وعلى آل بيته الأطهار، وخلفائه الكرام وصحابته الأخيار رضي الله عنهم وعنا. فليبارككم الله ، ويبارك فيكم ، ولكم... ويعيد الحج والعيد عليكم بخير.