عندما دخل الرسول - صلى الله عليه وسلم- مكة في العشرين من رمضان للعام الثامن من الهجرة، وكما سمي (عام الفتح الأعظم) قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ فأجابه سهيل بن عمرو (نظن خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم) فأجابه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (اذهبوا فأنتم الطلقاء). وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه (انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقد امتدح الله عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وفي الحديث الشريف (لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم). من المؤكد أن الخليفة المزعوم الإرهابي (أبو بكر البغدادي) لم يسمع عما ذكرته قط، وإن سمع لم يقتنع إلا بفكر دموي إجرامي ففصيله أشبه بكائنات هبطت من الفضاء اتخذت منهج الذبح والقتل والاغتصاب وتجنيد الأطفال وتفخيخ البشر تشريعاً لاوجود له إلا بعقول عفنة ونهج شاذ عن كل ما هو منطق وإنساني. ولد تنظيم داعش في العراق، وذلك بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وانطلق من رحم تنظيم القاعدة التي ظهرت منها انشقاقات عديدة بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وبعد مقتل أسامة بن لادن؛ فمنها من انتهى بتصفيات بين أفرادها ومنها من بقي، لكن كان مختبئاً بين الجحور وكانوا يشكلون خلايا نائمة في ذلك الوقت لكنني لا أعتقد أن المخابرات المركزية الأمريكية كانت نائمة عنها لكن تركتها تنمو وتتكاثر وهو ما يفسر انطلاقهم بهذه السرعة في العراقوسوريا إضافة إلى مواردهم المالية، فداعش كالبكتيريا الضارة التي تولد وتنتشر في أجزاء من الغذاء الفاسد أو اجزاء قابلة للفساد، وهنا استغلت داعش الأزمة السورية وانتقلت منها إلى العراق بعد أن اتخذت من مدينة الرقة المحاذية للحدود السورية العراقية مقراً لها وشنعت وذبحت وضربت ورجمت بلا وجه حق. في ذلك الوقت بدأت الأحداث تتدهور في العراق شيئاً فشيئاً فوجدت داعش أرضاً خصبة لتتنامى وتتكاثر كما أسلفت كالبكتريا التي تتواجد بالأطعمة الفاسدة، ووجدت للأسف في بعض المناطق العراقية بيئة منتجة تحولت فيما بعد إلى بيئة حاضنة وستتحول لاحقاً إلى بيئة طاردة، هذا إضافة إلى تعاملها مع مثيري الفتنة وتجار السلاح وتجار البشر، فظهر الإرهابي (أبو بكر البغدادي) بخطبة انتشرت عبر المواقع الإلكترونية ينصب نفسه أميراً وخليفة للمسلمين مقتبساً جملاً من خطبة الصحابي الجليل الخليفة (أبو بكر الصديق) رضي الله عنه، وبعد هذه الخطبة تحول اسمهم من داعش إلى (الخلافة الإسلامية) وهنا اختلطت الأمور بالعراق بشكل فاق كثيراً اختلاطها في سوريا، وامتدت داعش في العراق وسقطت الموصل ومدن أخرى دون مقاومة تذكر ! وبدأت تعيث في الأرض فساداً وتبث الفرقة بين المسلمين وأبناء الشعب العراقي تماماً كما فعل عبدالله بن سبأ في مقتل الخليفة (عثمان بن عفان) رضي الله عنه حيث بدأت فتنة الخوارج إلى فتنة عظيمة بالاقتتال بين فئتين مسلمتين في مواقع مثل موقعة صفين وموقعة الجمل؛ ففي ظل هذه الفتنة وهذا الجو الهائل من الأعمال الفتنوية تنامى الخوارج وبدأوا مؤامراتهم على المسلمين والشعوب على مر العصور بل وتوارثوها من جيل إلى جيل. لقد حذرنا الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- من أمثال داعش في عدة أحاديث، ولعل أكثرها مطابقة لحالة داعش هو حديث حذيفة رضي الله عنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إنَّ أخوفَ ما أخاف عليكم رجل قرأ القراًن، حتى إذا رُئيت بهجته عليه وكان ردءاً للإسلام، انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك، قلت: يا نبيَّ الله.. أيُّهما أولى بالشرك: الرامي أو المرمي؟ قال: بل الرامي) رواه البخاري- وفي موضع آخر حذرنا منهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه (يقرؤون القرآن لايجاوز تراقيهم... يمرقون من الدين كا يمرق السهم من الرمية). إن لداعش أفكاراً تطرفية دموية إرهابية تجاوزت أفكار الجماعات المتطرفة كجماعة الإخوان أو جماعة التكفير والهجرة بل وحتى تنظيم القاعدة تبرأ من أفعال داعش، فداعش ليست حركة إرهابية فحسب، بل هي نهج ومنهج دموي تخريبي متوارث عبر الأجيال هدفها الحكم الدموي والمال والنساء، وهو ما يفسر المجازر بينهم وبين قائد تنظيم جبهة النصرة الإرهابي المعروف باسم (أبو محمد الجولاني) حيث كل منهما نصب نفسه خليفة للمسلمين، ولعل داعش تجاوزت كل هذه الفئات الإرهابية في القرن العشرين بنشاط الكتروني واعلامي منتشر . لكن، يبقى السؤال: هل تستطيع داعش أن تعبث بدولة مستقرة بكيان عسكري اقتصادي سياسي قوي؟ بالطبع لا ..فلا مكان لها في الدول الهادئة التي تنعم بالهدوء والرخاء والقوة بالوقت ذاته بل وتخشى حتى الاقتراب.. لكنها تتكاثر وتنمو في دول تشهد حروباً وصراعات واقتتالات داخلية وأوضاعاً متوترة ومتردية.. فهم أجبن بكثير من مواجهة الجيوش ؟ وأوهن من بيت العنكبوت أمام قوة عسكرية منظمة، وكما أسلفت أن انتشارهم الإعلامي ونشر مقاطع الذبح والقتل أعطى انطباعاً أنهم قوة ضاربة تذبح كل من يعارضها وأعطاهم حجماً أكبر من حجمهم بكثير. اياً كان من يمولهم؟ وأياً كان من يدعمهم؟ وأياً كان من يقف خلفهم؟ فلا مكان لهم بالدول القوية المستقرة ولعل سحقهم على الحدود الأردنية مؤخراً عندما حاولوا العبور من الأراضي العراقية إلى الأراضي الأردنية جعلهم يعودوا إلى الخلف آلاف الخطوات، فهم أضعف كثيراً مما نتوقع..لكن الحذر منهم دائماً واجب.