أرجع خبير، ارتفاع معدلات التضخم بالمملكة إلى النمو القوي للإنفاق الحكومي، وهيكلية السوق التي تنتشر بها الممارسات الاحتكارية. وأكَّد الدكتور عبد الرحمن السلطان ل»الجزيرة» أن زيادة معدلات التضخم المحلي تزامنًا مع ارتفاع سعر صرف الدولار عالميًّا يكشف عدم ارتباطه بتراجع قيمة الدولار. وقال: المشكلات التي نعاني منها حاليًّا المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم بصورة لا تبررها مستويات التضخم عالميًا، إلى جانب إشكالات اقتصاديَّة عدَّة من بينها مشكلة الإسكان وتزايد الفقر والتباين في مستويات الدخل في المجتمع، كلّّها مؤشرات تظهر أن مبالغتنا في زيادة الإنفاق الحكومي خلال السنوات القليلة الماضية لم تكن جميع نتائجها إيجابيَّة، ومن ثمَّ فنحن بحاجة إلى مراجعة سريعة لسياسات الإنفاق بشكل يضمن تحقيق الاستقرار في هذا الإنفاق، بل حتَّى تخفيضه عن معدلاته الحالية المرتفعة. وأوضح الدكتور السلطان، أن الإنفاق الحكومي في المملكة الذي لم يتجاوز 295 مليار ريال عام 2005م وصل عام 2013 إلى 925 مليار ريال، أيّ بزيادة هائلة بلغت نسبتها 213 بالمئة خلال ثمانية أعوام فقط، إِذْ ارتفع بمتوسط سنوي بلغ 27 بالمئة، ومن المؤكّد أن هذا الإنفاق سيتجاوز هذا العام حاجز الألف مليار ريال. وأضاف «من المؤكد أنه من الصعوبة بمكان أن يستوعب اقتصاد ما مثل هذه الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي، وفي مثل هذه الفترة الوجيزة، ومن الطّبيعي أن ينتج عنه ارتفاع كبير في معدلات التضخم، وستتضخم أسعار الأصول العقارية والمالية، وسترتفع تكلفة المشروعات على الدَّولة بصورة تحد من كفاءة وجدوى هذا الإنفاق، وستزداد حدة التفاوت في مستويات المعيشة، كون شريحة واسعة من المجتمع أصبحت غير قادرة على زيادة دخولها بنسبة تكفي للحد من التأثير السلبي لارتفاع معدلات التضخم على معيشتها ولفت إلى أن أيّ نمو إضافي في الإنفاق الحكومي خلال المرحلة القادمة سيزيد من التأثيرات السلبية لهذا الإنفاق ويقلل من التأثيرات الإيجابيَّة له، ما يجعل من الضروري جدًا وقف هذا النمو في الإنفاق العام، بل وبذل كل جهد ممكن للحد من معدلاته الحالية لترتفع كفاءته وجدواه ويصبح هناك مجال أوسع للقطاعات الأخرى في الاقتصاد لتنمو وتضطلع بدور أكبر في النشاط الاقتصادي، وفي توظيف الموارد البشرية، فهذه القطاعات هي الباقية لنا عند نضوب النفط وهي المرحلة التي يجب أن نهتم بالاستعداد لها الآن وقبل فوات الأوان. وبيَّن السلطان، أن السبب الآخر لارتفاع معدلات التضخم محليًّا، رغم الاستقرار النسبي في معدلات التضخم عالميًا، وارتفاع قيمة الريال أمام العملات الرئيسة في العالم تبعًا لارتفاع قيمة الدولار، هو هيكلة السوق في المملكة بسبب الوكالات التجاريَّة الحصرية التي تسمح لها قوة الطلب الكلي في رفع الأسعار بصورة غير مبررة، وهو ما يؤكد أهمية تصحيح هيكلية السوق في المملكة، من خلال إنهاء كافة أشكال الاحتكار بما في ذلك الاحتكار المقنن بموجب النظام المتمثل في الوكالات الحصرية التي تحد من تنافسية الأسواق، مشيرًا إلى أن الغلاء في المملكة ليس بسبب تجار التجزئة، فدرجة المنافسة بينهم مقبولة، وإنما بسبب الاحتكار الذي يتمتع به أصحاب الوكالات الحصرية التي مكنتهم من استغلال هذا الموقع الاحتكاري برفع أسعار السلع التي يستوردونها بأضعاف نسبة ارتفاعها في السوق العالميَّة، وحتى عندما يكون هناك تراجع في أسعار هذه السلع في السوق العالميَّة تظل أسعارها مرتفعة محليًّا، ولا يمرر أيّ من ذلك الانخفاض إلى المستهلكين، بل في أحيان كثيرة تستمر أسعارها في الارتفاع بفضل هذا الموقع الاحتكاري الذي فرضته الوكالات التجاريَّة الحصرية.