نتماهى في تأمل مع هذه الكتل البشرية كالأمواج تتحرك.. على ألسنتنا كلمات هي الباقيات الصالحات.. وتركض مخيلاتنا في بحور معانيها.. نتساءل: أين تذهب كل كلماتنا غيرها..؟ ولِم خُصَّت بالصلاح دون غيرها من لدن رب كريم تعالى, على لسان نبي أمين..عليه الصلاة والتسليم..؟ وعقولنا الصغيرة تختلج فيها التآويل، والتفاسير..؟! أربع جمل في كلمات تحمل خيري الدنيا, والآخرة: «سبحان الله, والحمدلله, ولا إله إلا الله, والله أكبر».. وهنا يكمن معقل الغاية، وأبعاد الدلالة.., ومحور المعقد.. الله, ومن هو الله..؟ كلٌ يسائل نفسه فيجيبها: من خلقني من عدم لا أدري أبده.., ولن أبلغ سرمده.. من هو واحد لم يظهرني عليه مباشرة، غير أنه منحني كل الإشارات، والدلائل، والبراهين عليه.., بدءاً بنفسي التي لا أعرفها دون أن أعرفه.., ولن أعرفها إلا عن طريق معرفتي به.. هو من خلقني لأنني لم أخلقني.., وهو الذي يعلم سر أيَّ نبض فيَّ: فرحي, حزني، جرحي، وجعي, ألم كسري، وخز عصبي, بل كيف تنبت الفكرة في رأسي.., ويلوج الشعور في داخلي.. وإلى أي مدى تبصر عيني.., وتسمع أذني.., وذلك الدبيب في عرقي.. هو من يدري كيف لنفسي أن تميل، تكره وتحب, ولعزيمتي كيف تعمل، تريد وترفض, وكيف لعقلي كيف يجري، يقرر ويستوعب..؟! أشياء كبيرة عليَّ فيَّ, فأنا الإنسان صغير بنفسي على ما في نفسي من عظمة هذا الرب.. فهو من له كياني وليس لي.., لأنني ما ملكت روحاً ترفذُ فيه, ولا أعلم متى تغادره.. وطالما أنني لا أملك هذا, فإنه الأولى بي وحده..، وولي هذا الكيان كله، الواحد المتفرد، ذوالحول والقوة, الخالق البارئ, المصور الوهاب.... فهو المقصد من كل عمل يصدر عن هذا الكائن البشري الذي هو أنا، لأنه مصدر كل ما فيه, وما يرد إليه، وما ينسرب عنه.. فالطاعة في محراب عبادته لا تحصيها الجمل الأربع.., وإنما جاء الذكر بها إضافة عطاء منه، وتكرماً يضفي به عليَّ, ورحمة ينزلها بي, وقبولاً يتجاوز به عني.. تنزَّه تعالى فله التسابيح خالصة.., وتكرَّم العظيم فله الحمد كله, وتفرد الأحد فله التوحيد وحده, وهو الذي إله في خلقه, في السموات والأرض فهما له، وفي كل خلقه كبير قدير، ليس له مثل فيهما... تعالى الله أكبر, يعطر بها اللسان, ويطيب بها الجِنان... كما تتماوج أفواج الحجيج، وتعلو التكابير, ويرتفع الحمد والثناء, وتطمئن, وتأنس النفوس في نفحات هذه الأيام.. فاجعلها اللهم باقيات لنا صالحات,.. نعمنا بهبات رحمتك وعفوك ثباتاً لا نزيغ بعده.., وحسن مآل لا نخسر به خاتمة.... واللهم آمين.