من حسن الخلق أن يفسح الناس للناس وهم راغبون..، لكن راضين .. وأنصع المواقف جلاءً لهذا الخلق، تتبدّى في مواسم الحج، والصوم .. وخير ما يفسح به الساكن مكة..، ومن في الجوار ممن كرر الحجة..، والعمرة من أهل البلاد أن يكتفي بما أنعم الله به عليه من قرب المزار..، وقدرة القيام..، فلا يعزم على الحج دون أن يتفكر في غيره ممن يشق عليه الترحال..، وتكلفة الأداء..، ولا يستطيع بما في وُجده أن يحجَّ، أو يعتمر في العمر مرة على الأقل..، فيجد من يفسح له المكان..، ويوفر له الاطمئنان فلا يضيق عليه في سعي ولا طواف، ولا مركبة ولا طريق، ولا مشعر ولا نُزُلٍ... وتزداد الخيرية في مسلك المفسح لغيره حين يأتي الامتناع مع الشغف بالمزيد من أداء الأركان، والتمتع بالإضافة، والزيادة عن قدرة..، والدوام باستطاعة..، ذلك لأنّ المؤمن المحب لا ترويه المرة، والمرتان، ولا الكثرة، والدوام.. إذ يتوق لحج كل حجة، وعمرة كل موسم،.. بل في أي أيام السنة ما اختلفت الشهور،.. ولو فعل الناس فأفسحوا عن رضا، واستجابوا لدعوة قرّة عيني محمد بن عبدالله صلى الله عليه، وعلى آل بيته، وخلفائه، وسلّم كثيراً، لامتد رضاهم ..، وأخذوا بموقف الإفساح حيث ومتى احتاج غيرهم لهذا السلوك منهم، في المجلس، وفي صف الصلاة، وعند مداخل الأبواب، وفي الطواف..، وفي السعي.. وفي الطرقات، وعند جمع، ورمي الجمرات..، بل عند النوم..! وهذا الزحام، وتناكب المتنافسين، وتدافع المتسابقين، وضيق الصفوف، الدليل القاطع على أنّ الذين يكررون الحج..، ويديمون التفكر في أنفسهم، ولا يعينون على تحرير التزاحم من السوار، ولا التناكب من الدوار، هم أناس لا يؤثرون على أنفسهم، ولا يفسحون لبعضهم.. ولو كان بهم شوق وتوق.. وإلاّ ما استنّ نظام، ولا شغل منظمون، ومتابعون، ولا قننت مواعيد، وشرعت سنوات فاصلة بين حجة وأخرى.. ومع أنّ التوجيه النبوي الشريف للإفساح في صفوف الصلاة، وفي المجالس، إلاّ أنّ القياس يقوم في شأن عدد مرات الحج لكل مواطن..، ولا أحسب أنّ هذا خارج عن طاق التنظيم المطلوب بعد أن تمت توسعة المسجدين، ومشاعر مكةالمكرمة في أعظم مشاريع العمران، وخدمة المسلمين على الأرض.. مما اضطر المنظمون للأمن..، إلى فرض الموافقة النظامية التي تمكِّن كل فرد بإذن المثول في المشاعر لأداء الحج ..، والعمرة في موسمه. إذ نشاهد سيل الناس المتدفقين من كل مدينة، وقرية، ووجهة في البلاد يملأ ساحات البيت العتيق، وما حوله، وأحياء مكة المقدسة جلها، ثم مدينة المصطفى عليه الصلاة، والسلام المختارة.. فافسحوا يفسح الله لكم، ولربّ حجة هنيئة رضية تغني عن سواها بنيّة خالصة لله تعالى. فأولئك التوّاقون، المشوقون، المتعلقة قلوبهم بوقفة بين يديه تعالى تحت ظل قربه في يوم عرفة، وبطواف حول الكعبة..، وبقهر الشيطان برجمة مطيعة.. هم كلنا.. كلهم.. كل المسلمين في أنحاء الأرض..