ما أقسى لوعة الفراق وخاصة إذا كانت لأخوين غاليين يفصل بينهما شهر، إنها لحظة حزن تكوي الفؤاد وتلسع مهجة القلب تأخذك لساعات بل لأيام في دياجير حالكة من الأحزان والشرود الذهني والفكري، تذكرت وأنا أعيش هذه المرارات أخي صالح والحميدي وهما في مراحل الشباب والرجولة الفذة رجلين عصاميين لا يعرفان الكسل أو ضعف العزيمة، خدما منذ شبابهما في العمل الأمني، الأول في حرس الحدود وأبدع وضحى من أجل أمن حدود بلده في الشرق والشمال والجنوب، والثاني في قطاع الحرس الوطني، إنها عزيمة الرجال الأوفياء للدين والوطن، لم يشتكيا قساوة الحياة بل جابهاها بالصبر والجلد والعزيمة التي لا تلين، كلما تصورت هذا الركض الشامخ لهما في هذه الحياة تذكرت والدمعة الحراء تسابقني أخي الغالي ضيف الله- رحمه الله- الذي سبقهم قبل سنتين فزاد وهج الحزن واللوعة وفاحت بداخلي براكين الأسى وما يخففها إلا الإيمان بالله واليقين بأننا أموات أبناء أموات وكل نفس ذائقته، يا لها من حياة تخضر بالأحباب وتزهر بوجودهم وضحكاتهم فتسبغ السرور عليك وعلى من حولك وسرعان ما تنقلب فتتحول إلى أشواك تلدغ فتمطرنا بالدموع والآهات. نحن في هذه الدنيا لا نتذكر القريب أو الصديق إلا بعد ما يغادرنا، ولا نعزف على وتر الذكريات إلا بعد أن يوارى الثرى، فقد روى لي بعض زملاء أبي عبد الله عليه رحمات ربي بعض بطولاته في حرس الحدود وخاصة في السليل ومنطقة نجران فكم تصدى للمهربين ومتجاوزي الحدود، وكم كانت روحه على كفه عدة مرات لكن الله سلمه، وقد روى لي أحد ضباط سلاح الحدود الكبار وهو برتبة لواء أنه يعتبره أستاذاً ومدرباً بحكم خبرته في التدريب والسلاح، كما كان شجاعاً مقداماً في واجبه الوطني حتى تقاعده وعاش رحمه الله طيب المعشر باراً بوالده مع أشقائه محبوباً من الجميع، وكان رحمه الله لا يتناول إفطاره يوم الاجازة الاسبوعية إلا بحضوري في جو تسوده الألفة والمحبة. كان في أسرتنا بمثابة الوالد الحاني السديد في آرائه، الكريم في عطائه، وعندما انتقل إلى جوار ربه في بدايات شهر شعبان بعد سنوات من المرض الذي أقعده بين المنزل والمستشفى نال أخي الحميدي حزناً عميقاً تغلغل في مهجته وتسرب إلى أعماقه فكان طيلة شهر رمضان متذكراً له ويعيش ساعاته تحت وطأته ولربما كانت النوبة التي أصابته وأدت إلى وفاته بسبب عمق هذا الحزن وهذا التأثر رحم الله أخي الغالي صالح وضيف الله والحميدي أبناء مسفر السيحاني رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وألهمنا من بعدهم الصبر، فقد كان فراقهم صخرة حزن جثمت على مساحة الفرح، ودعاؤنا الخالص ممزوجاً بالشكر الجزيل لكل من واسانا في هذا المصاب وعلى رأسهم سيدي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير الشهم سلمان بن عبد العزيز وسمو رئيس ديوانه الأمير محمد بن سلمان- حفظهما الله- ووكيل إمارة منطقة نجران وسفير دولة الكويت ومحافظ شقراء ووكيل المحافظة ومحافظ شقراء السابق محمد الماضي والشيخ محمد بن نايف بن حميد ورؤساء الإدارات الحكومية وأبناء قبيلة السياحين بشقراء والكويت، وأخص بالشكر الأخ والصديق ناصر بن هاجد السيحاني مدير مكتب محافظ شقراء والزملاء والأصدقاء، الله هو الباقي ونحن المودعون.