فقدنا قبل أيام أحد الأحبة شخصية مهما تحدثت عنه فلن أوفيه حقه وهو معالي الفريق الركن زميم بن جويبر السواط. والحديث عن شخص بحجمه يملك الكثير من السجايا والخصال يبدو صعباً على مثلي ولكن لعلي أتحدث في عجالة عن مواقف راسخة في ذهني عندما رافقت هذا الإنسان الكبير لأكثر من ربع قرن وكنت قريباً منه وقريب من الكثير من خطواته. لم يجمعني به رحمه الله مكان العمل فقط، بل جمعني علاقة وثيقة كنت قريبا منه ومطلع على الكثير من أعماله ومنجزاته وتعامله وعطاءاته وأخلاقياته. إنسان عظيم بكل ما تعني الكلمة يحمل قلب مؤمن، إنسان صادق في تعامله، مثالي في تصرفاته.. يعد مدرسة في السلوك والتعامل والعطاء والأخلاق والإيثار. وإنسان بهذا النبل والصدق والتعامل الأمثل يعكس للجميع كيف يختار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية كيف يختار رجالاته وكيف ينتقي المسؤولين وكيف يراهن عليهم، وكيف يتفوقون ويتقنون أعمالهم. مثل هؤلاء المسؤولين هم الذين تبرأ بهم الذمة وهم الذين يملأون الموقع وهم خير من يستأجر. عرفت معالي الفريق زميم عندما كان برتبة (مقدم) كأحد ضباط حرس الحدود وترقى إلى مرتبة لواء نائب رئيس الجهاز، ثم رئيساً لهذا الجهاز برتبة فريق ولم يتغير ولم يتبدل ولم نشعر يوماً بأن زميلنا وصديقنا وأخونا زميم أصبح برتبة فريق وأصبح رئيساً لهذا الجهاز أو يخاطب بمعالي، بل كان (أبومحمد) كما عرفناه وعهدناه أخاً وصديقاً ومحباً وقريباً من الجميع بسيط في كل شيء، لم يزده المنصب والرتبة إلا تواضعاً وقرباً من الجميع. يصل إلى مكتبه صباح كل يوم قبل الثامنة ومنها يوم وفاته، حيث حضر حوالي الساعة 7.30 صباحاً ويستمر في عمله حتى قرابة المغرب بشكل يومي ويتابع عمله ليل نهار، يرد على هاتفه الشخصي مهما كان المتصل ويتحاور مع المتصل حتى لو كان جندياً في أبعد نقطة في الميدان.. ويهتم بأمور هؤلاء ويتابع شؤونهم ويتفاعل مع قضاياهم أكثر من أي اهتمام آخر. علاقته بالجميع علاقة محبة وأخوة يشيع داخل العمل أجواء المحبة والتعاون.. يشعر الجميع بأنهم يد واحدة يجمعهم هدف واحد ولهذا يجد الجميع انجذاباً نحو العمل فيتحول العمل داخل الجهاز إلى عمل جاذب محبب للجميع يعيش الجميع كأسرة واحدة يتحدث إلى الجميع بروح الأب والمحب والأخ الناصح والصديق المخلص. يخرج للجولات الميدانية لوحده وعلى سيارته الخاصة لا يستخدم في تنقلاته أي سيارة للعمل غير سيارته التي صرفت له نظاماً.. وفي الجولات الميدانية ينام في البر ويحرص على عدم تكليف الجهاز بأي مصاريف، لا يعرف فنادق الخمس نجوم ولا غيرها يعشق البساطة في كل شيء ولا يقبل أن يصرف له ريال واحد نظير جهد أو عمل أو مهمة قام بها. وفي استقبال المراجعين بابه مفتوح يقدّر كبار السن ويتعامل معهم بكل رفق ويحقق رغباتهم ولا يسمح لأي منهم أن ينتظر ولو لدقائق، يحرص على أن يكون قريباً من أصحاب الرتب الصغيرة ويشعرهم أنه واحد منهم، ويتفقد شؤونهم وأمورهم ويلاطفهم بالكلام ويمازحهم كأخ أكبر. وعلى الصعيد الشخصي يعتبر القدوة والأنموذج فلا تفوته صلاة الجماعة وسنن الرواتب ولا يمكن أن يبقى في مكتبه أو منزله وقد أذّن المؤذن، لا يسبقه أحد للمسجد إذا نودي للصلاة. يصوم الاثنين والخميس ويحرص على زيارة المرضى وتفقد المحتاجين وتعزية ذوي المتوفين. ومن ماله الخاص يسير حافلات للحج والعمرة بشكل مستمر ويرسل التمور والأطعمة للمحتاجين في العالم الإسلامي، يشتري نسخاً من المصحف الشريف ويرسلها لأي مسلم يبحث عنها. يخصص جزءا من ماله ودخله للسداد عن سجناء الحق الخاص قدر استطاعته ويفرح ويسر بالإفراج عنهم، يحرص على كفالة الأيتام والقيام عليهم ورعايته وتفقد أمورهم، يتلمس أحوال الضعفاء والمساكين ويساندهم قدر الإمكان، يتواصل مع عدد من المهتمين بالدعوة ليسهم في حفر آبار ارتوازية للمسلمين المحتاجين في العالم الإسلامي. يسهم في بناء المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم في الداخل والخارج. يحرص على تفقد الأحياء الفقيرة بنفسه وعلى تفطير الصائمين والإسهام في هذه المشاريع. بنى العديد من المساجد في الخارج وقال لي سأطلق عليهم اسم من أحب الأسماء إليَّ قلت له ما هو قال اسم (نايف) رحمه الله. قال لي ذات مرة إنني أحب هذا الرجل الكبير الذي فقده الوطن سيدي نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- وقد سميت أحد أولادي باسمه وتحدث لي عن مآثر هذا الرجل الكبير -رحمه الله رحمة واسعة-. هناك العديد من الثلاجات في منزله تجمد التمور ليوزعها داخل الحرم النبوي في أيام الصيام على مدار السنة. وقد يظن البعض أنني هنا أبالغ فيما قلت ولكن والله إنني لم أذكر إلا جزءا من الحقيقة مع أني أدرك أنه لو كان موجوداً بيننا لما رضي عن ذكرها ولغضب مني. لكني هنا أذكرها. وإن كان الكثير حوله يعرفها فلم أتحدث بجديد، لكني سأسجل سيرة عطرة لإنسان صادق مخلص فمثل هذه السير للندرة من الرجال تستحق التسجيل لتكون قدوة. أشهد بالله أنه قد عمل حساباً لهذا اليوم الذي لاقى فيه وجه ربه وهو جالس على كرسي عمله.. وقد كان دوماً يذكرني بهذا اليوم.. ثم يسألني ماذا عملت له؟ أشهد بالله أن سمو وزير الداخلية - سلمه الله - قد اختار الكفء والأصلح لهذا الموقع.. وهكذا هم رجال سموه وهكذا هي اختياراته أدام الله عزه. مات (أبومحمد) وقد ترك خلفه سيرة عطرة الكل يشهد بها. مات وقد أصيب الجميع في جهاز حرس الحدود بل في وزارة الداخلية كلها بغصة وألم وحزن ولا يملك الجميع غير الدعاء له بالمغفرة والرحمة والرضوان. لقد فقدنا أخاً عزيزاً حنوناً وإنساناً قريباً من الجميع سيتعب من يأتي بعده. مات (أبومحمد) وخيّم الحزن على جهاز حرس الحدود لأيام وهكذا يفقد الأخيار، وهكذا تكون سيرتهم. إنني أدون هنا نقاطاً سريعة مختصر ومقتطفات فقط من سيرة إنسان يعجز القلم عن إيفائه حقه لكن حقه علينا الدعاء. أسأل الله جلّت قدرته أن يتغمده بواسع رحمته ورضوانه وأن ينزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين.. رحمه الله أبا محمد..