عبداللطيف الجوهري 95 صفحة من القطع المتوسط للشمس إشراقة تتجدد كتجدد الأمل في نفوس الناس.. بل إنها لا تغرب لأنها رمز حياة يحسبها الحي نَفَسه الذي يتصاعد من جوفه.. ودقات قلبه التي يعد بها ساعات عمره.. وحركة حياته التي يعبر درب حلمه.. وعلمه.. الشمس نهار.. والضوء طاقة تتجدد تكشف للساعي ذلك الغامض في مجال جهله.. وحيرته.. شاعرنا الجوهري على ضوء إشراقة شمسه أبصر أمته وهي تغالب نعاسها.. خاطب أناسها في حب ملؤه الخشية: يا أمتي لا تجزعي.. قومي لنا.. وتدثري ثوب الإباء فما لنا إلا بيوت العز في قلب السَّنا نورا لنا يسمو يبدد حزننا جميلة تلك الدعوة نحو اليقظة في زمن تكاثرت فيه الوحوش البشرية الضارية وهي تبحث جاهدة عن ضحاياها.. إنه يخشى عليها أحزان الفجر الصادق!! لعله يقصد الفجر الكاذب الذي يخدع: أيها الساعي بمكرٍ في السفينة يرسم القبح على وجه المدينة قد خنقت الزهر في أرجائها وانزوى الحب يهاديها أنينه.. الأنين يا شاعرنا لا يهادي ولا يَهدي.. إنه يجسد الوجع والفجيعة.. هلاَّ أبدلت مفردة «يهاديها» ب«يجليها» أو «يُعليها».. مثلاً: ها هنا قد مُزَّقت أشلاؤه ها هنا الدنيا ترجيه رنينه في حنين الأم بثت شجوها ترسل الأدمع من قاع سخينة وتعلو نبرة الشكوى وقد اتسعت دائرتها.. واشتد دوارها: ها هنا ضلت خطانا يا لقوم يرتضون الدون من دنيا مهينة ويتساءل.. وقد ملكته حسرة الحيرة: يا لفرسان الأماني هل تراكم في طريق الفجر أنساماً وزينة أم تراكم كقناديل تدلت تنبت الفجر وتهديه عرينه؟! فرسان الأماني يا شعرنا لهم نهج حياة لا يقبل الطلاء ولا الزينة.. إنهم مَن يستمد من روح الفجر قناديل سعيه. ألست المتفائل؟.. والقائل: دعيني أمنِّي النفس في فجرنا غدا فإني أرى صبحاً بآمالنا بدا.. وقد نلمح الأشواق في غيهب الدجى ترجَّى لغيث قد مددنا له اليدا فلسطين الأمل.. ما أحوجها إلى فلسطين العمل.. أيها الجسد الممزق بحراب وبخراب عتاة المفسدين في الأرض.. الشكوى لا تكفي.. إن نخوة الماضي البعيد تحتاج إلى جديد يقظة لا مكان فيها لخديعة.. ولا مكانة فيها لاستكانة وإهانة. فيا أمة قد تخطت عثارا ودكت ببدر حصون الخراب وجادت بجند لدين وعرض وأرض تئن بنير الكلاب طغاة بغات بأرض طهور فحق الجهاد بسيف وناب لابد لتاريخ الفداء من عودة.. دون هذا لا عودة.. ولا مسجد أقصى.. ولا فلسطين.. بل ولا حتى كرامة لعرب.. ومن فلسطين.. من الضفة المستباحة والأقصى المحاصر.. وغزة النازفة بدم جراحها وشهدائها لا ينسى شاعرنا الجوهري فلسطين أخرى في البلقان اسمها كوسوفا: كوسوفا عفواً معذرةً لا نملك رد العدوان لا نملك حقاً مشروعاً في نصر ونجدة إخوان زعموا بهتاناً تضليلاً كمسلسل خطف فلسطين زعم للصرب بلا سند كمزاعم إخوة صهيون كلاهما في نظر التآمر واحد.. عرب هنا وإسلام هناك.. وغرب لا يقيم وزناً إلا للأقوياء.. حتى ولو كان الحق الذي نملكه مشروعاً.. الشرعية يمليها الكبار.. ويخضع لويلاتها الصغار الذين لا يملكون إرادة الحياة وقوتها.. ومن دائرة العناء.. إلى تسبيح النورس: تسبيح النورس يمتد ويضوع العطر ويستد ويشارف أفقاً علوياً نوراً ينساب ويرتد ويعاود شدواً خلاقاً يعلو أحياناً يحتد يشبهه كنجم سابح في فلك يطارد أشباح الظلام ودخان الزيف كي يلتقف ما يأفك من خفافيش.. هكذا صور لنا نورسه الحلم الذي لم يولد بعد.. ولم يوجد في دنيا الواقع.. الحلم أحياناً يجد فيه البعض العزاء من العلم الذي لا عزاء فيه. في ديوان شاعرنا.. «غداً تشرق الشمس» مواقف روحانية «دعاء الثوبة» «أنشودة حب وعتاب».. حنين إلى البيت العتيق».. ينتهي بمقطوعة «انتصار»: سأعيش نقيا وتقيا سأكون قويا وغنيا وأقيم بعزمي بنيانا.. من نور تلقاه نديا كمنار لمراكب حيرى تتهادى صبحاً وعشيا وأنادي يا دنيا كوني حقلاً بستانا ورديا جميل أن تختار لحياتك وفي حياتك كل ما يتمناه انسان لنفسه.. بالأمل المقرون بالعمل تتحقق الأهداف وتسمو النفوس. (يمامة الحي) ماذا قال عنها؟! أنست إليَّ وراقها في واحتي ركن ظليل هادئ في عزلة فبنت لها عشاً تلوذ بدفئه من كل عادية الزمان بحُرة راح يرقبها.. وهي تبني وكرها في لهفة.. وهمة.. وتحد.. استقر بها المكان.. وما دام فضوله يرقبها ويراقبها.. حضنت بود بيضها في عشها ورنت إليَّ بلهفة وبرقة خالها شاعرنا واحدة من سكان الدار.. والجوار.. لا تخشاه وانما تبادله الألفة والاطمئنان.. وتمنحه الراحة في غربته إلى أن أزف يوم الرحيل الحزين يوم أن ريعت في بيضها وغادرت المكان.. أما هو: وبقيت بعد رحيلها أرثي لها وداً وأنساً في ظلال الواحة هكذا تمت وقائع شاعرنا مع يمامته.. لقاء سريع.. وختام مريع.. ورثاء مودة مداده انس! شاعرنا قيض الله له وردته التي أنسته.. بل عوضته يمامته المهاجرة: وتفتحت بين الأزاهر وردتي فجرا نديا مثلما هي أمتي يا سحرها يبدو بهاء جمالها من عبقر أرنو إليه بمقلتي. شده إليها بديع لونها.. أحسها في دواخله معشوقة ترنو إليه بألفة.. سكنت قلبه.. رغم أنها وردة ما تلبث أن تتناثر أوراقها ويجف عطرها.. انه محبة اللحظة التي سرعان ما تطوى، وتنسى.. أمام مشهد حب آخر.. أخيراً.. بلد الحبيب.. وقد ناجاه وناداه في اشتياق: سقاك الله يا بلد الحبيب سلام الشهد من ألق وطيب فنوَّرت الأزاهر في رياض وغردت البلابل من قريب تحية حبنا الباقي أريجا يُعطر زهره ذكر الحبيب إلى أن يقول: فقد كنا كعصفورين نغدو إلى العلياء في الأفق الرحيب فيا رباه هذا قلب صب برغم البين يخفق للحبيب جميل أن يبقى الحب صامداً في اقترابه وفي اغترابه.. أن لا يموت.. وأن لا يتعرى تحت وطأة الهجيرة والهجر.