(قال جلا.. فتح الستائر قال جلا.. طار الحمام) ولكل آدم تفاحة، حمراء دائماً، قاسية كأنها قلبُ حبيب، تسقط أبداً من فوق رأسه إلى ما فوق أشياء لم يرها من تحتها، تحتل كيانه موهمة إياه بأنه الواقف عليها. هل يقفُ إنسانٌ على فوّهة بركان يخبئ حمماً تمتد منذ سلالات القفار وحتى محطات القطار؟ ناعمةٌ هي الصخور وخشنةٌ حبات الرمل. فامش إن شئتَ متشققاً تحت الشموس واترك تفاحتك لمن تأتي به الريحُ، أو انكسر حيث أنتَ ناعماً كالمرايا في الظلام واكتشف نفسك بمنتهى الوضوح؛ فلا شيء بعد كل اليأس يعيد إليكَ بعض الطموح.. (يا جلاّد البشر ما لك بتتمتع بوجع الروح؟ يا جرّاح القلوب حالك يقول إنك كمان مجروح) هل يختلف اثنان في الانحياز ما بين القاتل والمقتول؟ انسَ الحياد كما نسيَ الفرسانُ الجياد، وتقدّم إلى كل ضحاياكَ بصكوك إدانات مختومة بجبينك واسجد لمن يغفر الذنوب. سبحان ربك يدري بك ما لا تدريه ظلالك عن حجمك الطبيعيّ الآخذ شكل الجنة والنار معاً. سلامٌ على آدم، كان أول الغرباء النبيين وأول العصاة التائبين. وسلاماتٌ على كل تائب غريب. سلامٌ على آدم، لم يجرّب اليتمَ فكان أول أب للناس. وسلاماتٌ على كل إنسان يتيم. سلام الله عليك يا آدم، عرفتَ الأسماء كلها فامتلأت بنبضك أوردة الكون وطفرت على إثرك أسباب تطوير الحياة. ثم كان ما كان من أوادم، بعد بضعة آلافٍ من الأزمنة وبضعة أيام.. (قال جلا.. فتح الستائر قال جلا.. طار الحمام) ولا أحد يدري من أين يجيء الحمام، وقد تهدّمت الأعشاشُ على بعضها وتعرّى الشجر واقفاً. فالكتب القديمة تخبرنا عن الرؤيا وتفسيرها، عن الأجنحة وتكسيرها من بعد تسخيرها ريشة فوق ريشة تخفق في الهواء وتغرق في المحابر. قلتُ: هل أحدٌ يدري إلى أين يهاجر الحمامُ وقد تهدّمت الأعشاشُ وتعرّى الشجر؟ (يا جلاّد البشر ما لك بتتمتع بوجع الروح؟ يا جرّاح القلوب حالك يقول إنك كمان مجروح) ولم يبق من المسافات إلا بعض نهاياتها العقيمة، فالدروب الخصبة كلها قد أكلتها الخطوات. سافرنا كثيراً أيها السفرُ، بمراوح وعجلات تسابق الخفقات. وانصدمنا كثيراً أيتها الصدمات، بسدود وحواجز تحيط بنا من كل الجهات. هي الحياةُ الصدمةُ الأولى، وأوّل حمامة يطيّرها الحواة. والعودة إلى بدءٍ تبقى لنا دائرة من بعد دائرة نحسبها أطواق النجاة. لم تكن الغوايةُ غايةَ أحدٍ، ولكن.. اتسع الجرحُ ضاحكاً وهو يمزّق كلّ الضمادات. * * * جاء في لسان العرب – مادة حوا: (الحوّة سوادٌ إلى الخضرة، وقيل حمرة تضربُ إلى السواد) – ومادة غوى: (الغيُّ الضلال والخيبة، غوى غياً وغوي غواية: ضلَّ). فهل ثمة من يضلّ طريقه بين السواد والسواد إلا الباحث عن نفسه – متجلياً - بين اخضرار الجنة واحمرار النار؟ قف أيها العابرُ على السكك الطويلة عند هذا الرصيف. قال صوتٌ لطيفٌ يجلو عنك صدى صمتٍ مخيف: (القوي.. نهايته ضعيف والحياة.. نومة ورغيف) ** ** ** - (المقاطع المقوّسة): من المقدمة والنهاية لمسلسل (تفاحة آدم) كلمات محمد الحناوي ومدحت العدل، ألحان خالد حماد، وغناء مروة ناجي.